حال الجيل الأول

ففيما يتعلق بالجيل الأول -جيل الصحابة رضي الله عنهم ومن بعدهم- كان كل فرد يسلم؛ يحمل على عاتقه هم الدفاع عن الإسلام بالقول والعمل، باللسان وبالسنان، مثلاً: في مكة حين بايع الرسول صلى الله عليه وسلم الأنصار بيعة العقبة الثانية كانوا يسمون هذه البيعة: بيعة الحرب، كما ذكر ذلك عبادة بن الصامت رضي الله عنه، فيما رواه ابن إسحاق بسند حسن قال: {بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة الحرب على السمع والطاعة في عسرنا ويسرنا ومنشطنا ومكرهنا وأثرة علينا وألا ننازع الأمر أهله، وأن نقول الحق أينما كنا لا نخاف في الله لومة لائم} .

وكذلك جاء في رواية جابر رضي الله عنه وزاد: {وبايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعلى أن تنصروني إذا قدمت إليكم، وتمنعوني مما تمنعون منه نساءكم وأنفسكم وأزواجكم وأبناءكم، ولكم الجنة} قال: فقمنا نبايعه وأخذ بيده أسعد بن زرارة، وهو أصغر القوم -أصغر السبعين سناً- إلا أنه قال: [[رويداً يا أهل يثرب]] تصور أنت الآن أمام جماعة يؤمنون لأول مرة، ويبايعون الرسول صلى الله عليه وسلم على الإسلام، فيقوم بينهم شاب (فتى) فيقول لهم بلهجة الواثق العالم الخبير: [[رويداً يا أهل يثرب: إنا لم نضرب إليه أكباد الإبل إِلَّا وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّ إِخْرَاجَهُ الْيَوْمَ مفارقة الْعَرَبِ كَافَّةً، وَقَتْلُ خِيَارِكُمْ، وَأَنَّ تَعَضَّكُمُ السُّيُوفُ]] أي يقول: انتبهوا جيداً علام تبايعون عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم: [[فَإِمَّا أَنْتُمْ قَوْمٌ تَصْبِرُونَ عليها إذا مستكم -أي على الحرب- وعلى قتل خياركم، ومفارقة العرب كافة، فخذوه وأجركم على الله عز وجل، وَإِمَّا أَنْتُمْ قَوْمٌ تَخَافُونَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ خيفة -وفي رواية- جُبينة]] أي: جبناً وخوفاً، وأنكم قد تتراجعون إذا جد الجد وحزب الأمر [[فذروه فهو أعذر لكم عند الله عز وجل، فقالوا له يَا أَسْعَدُ: أَمِطْ عَنَّا، فَوَاللَّهِ لَا نذر هَذِهِ الْبَيْعَةَ أَبَدًا وَلَا نَسْتقيلهَا]] أي: نحن ندري على ماذا نبايع هذا الرجل، وفي رواية كعب بن مالك عند ابن إسحاق -أيضاً- أن العباس بن عبادة بن نضلة قال: {يا رسول الله: والذي بعثك بالحق إن شئت لنميلن على أهل منى بأسيافنا غداً، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم: لم نؤمر بذلك، ولكن ارجعوا إلى رحالكم} .

إذاً: هؤلاء القوم يضعون أقدامهم في طريق الإسلام أول مرة، ولم يمر على دخولهم في الإسلام غير ساعات يسيرة، بل ربما دقائق، ومع ذلك يقولونها لرسول الله صلى الله عليه وسلم صريحة: يا رسول الله، لو أردت أن نميل على أهل الموقف -أي على أهل مكان- بأسيافنا ونقاتلهم لفعلنا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015