الصورة الثانية: هي سبيل إلى الأولى وذريعة إليها، وذلك أن الناس ربما لم يخرجوا من دينهم بالكلية، ولكن خرجوا من بعض الدين، فتركوا بعض شرائع الإسلام؛ كأن يتركوا الجهاد في سبيل الله، أو أن يتركوا الإنفاق في سبيل الله، أو أن يتركوا إقامة شريعة الله تعالى والحكم بما أنزل سبحانه وتعالى وبسنة نبيه عليه الصلاة السلام وما أشبه ذلك.
وهذه الصورة -وهذه لاشك- سبيل إلى الأولى؛ لأن الذي فرط في بعض الشيء قد يفرط فيه كله، هذا من جانب، والجانب الآخر: أنه ربما كان من أسباب ردة بعضهم عن دينهم أنهم تسلط الأعداء عليهم وفتنوهم عن دينهم، وألزموهم أو ضايقوهم حتى تركوا الإسلام، وهذه هي الفتنة التي سماها الله سبحانه وتعالى في كتابه: {وَالْفِتْنَةُ أَشَدُّ مِنَ الْقَتْل ِ} [البقرة:191] .
الفتنة: تعني فتنة الإنسان عن دينه وخروجه من الإسلام، وأن يفتن ويضيق عليه حتى يتراجع عن الدين، وهذه الفتنة لم تكن لتحصل على المسلمين لو أنهم كانوا يجاهدون في سبيل الله، ولو أنهم كانوا قائمين بما أوجب الله عليهم، وإنما تحصل في أزمنة الذل، وفي أزمنة التأخر، وفي أزمنة ترك شريعة الجهاد في سبيل الله تعالى.
وربما ترك بعض المسلمين دينهم كلية بسبب الفقر أو الحاجة أو الطمع في متاع الدنيا: الطمع في مال، أو في لباس، أو على الأقل في غذاء يأكله ويسد جوعته، أو في ثوب يواري عورته، أو في علاج يداري به ألمه ومرضه، والفقر كاد أن يكون كفراً، ويلاحظ أن ترك الإنفاق في سبيل الله؛ قد يؤدي إلى الوقوع في الردة العظمى والخروج من الدين بالكلية بالنسبة لبعض المسلمين، وكما أن من الناس من دخل في الإسلام أول الأمر طمعاً وتأليفاً لقلبه، ثم أسلم صدقاً من قلبه وحسن إسلامه؛ فكذلك قد يوجد من المسلمين -في الأمس واليوم وغداً- من يخرج من الإسلام طمعاً في عاجل الدنيا.