عدم رفعهم فوق قدرهم

الملاحظة الثانية: أن هذا الدور لا يعني: أننا ينبغي أن ننفخ في هؤلاء، فإن من الملاحظ أن فرح أهل الإسلام بهداية فلان وفلان وفلانة يجعلهم يضخمون الأمر ويهولونه، وفي الحقيقة أعجبتني كلمة لأحد الناس يقول فيها: ما بالكم تهتمون بفلان الفنان إذا تاب، وفلان المغني إذا تاب؟ وهل كان هذا الإنسان شخصاً أهم من غيره؟!.

الفن والغناء وهذه الأشياء ليس لها ميزان في نظرنا، ولا ينبغي أن نضخم دور هؤلاء وحجمهم وأسماءهم، وهذا التضخيم له آثار سلبية؛ لأننا -أحياناً- من حيث لا نشعر قدمناهم في الواجهة، وصرنا نتحدث عنهم في صحفنا، ومحاضراتنا، وكتبنا على أنهم قيادات وشخصيات بارزة، ومقابلات، وكتابات إلى آخره.

فأقول: إن هذه الهالة التي نضفيها -أحياناً- على هؤلاء التائبين تبرزهم في الواجهة، وتجعل الناس معلقين أو متعلقين بشخصياتهم، وهذا ذو أثر سلبي من عدة جوانب، فمن جانب: هؤلاء الناس قوم حديثوا عهد بإسلام، واحتمال النكوص والتراجع وارد عندهم، خاصة إذا لم يجدوا بعد هدايتهم المجالات التي تستفرغ جهودهم وطاقاتهم، فربما يدعوهم الفراغ إلى معاودة ما كانوا عليه والحنين إلى ماضيهم؛ فيضعف الإنسان منهم، ويتراجع وينتكس، وهذا يسبب إحباطاً عند كثير من الناس، فبقدر ما فرح بالأمس بهدايته، يتضاعف حزنه اليوم لأن فلاناً قد رجع وانتكس إلى ما كان عليه.

وكما أنه يعتبر أنه قدم في هدايته دليلاً على أن ماضيه السابق غير جيد، فهو قد يقدم في نظر بعض الضالين دليلاً على أن ما عاد إليه لم يكن مقنعاً له؛ ولذلك تركه إلى ما كان عليه من قبل.

السلبية الأخرى: أن هؤلاء لا تخلو آراؤهم، ونظراتهم وشخصياتهم من ضعف بسبب أنهم حديثو عهد بإسلام أو بهداية، فقد يتقبلها الناس باعتبار أنهم أشخاص معروفون، وهذا أكثر ما يوجد بالنسبة لأناس عاشوا في بيئات سيئة، ولعلي أضرب مثلاً: مصطفى محمود.

مصطفى محمود رجل تحدث الناس عنه وعن توبته، وتحدث هو عنها في كتابه المعروف رحلتي من الشك إلى الإيمان وفي عدد من كتبه.

وبطبيعة الحال أنا لا أريد أن أتحدث عن هذا الرجل، ولا عن أفكار هذا الرجل، ولا أوافق من يقولون: إن الرجل مدفوع من قبل الماسونية وغيرها، فنحن لم نكلف شرعاً باتهام نيات الناس ومقاصدهم، وينبغي أن نتعامل مع الناس على حسب ما يظهر لنا منهم، وبقدر فرحنا بهداية أي إنسان للخير ينبغي ألا نلقي عليه بأي ظل من الشك، وإنما هذا لا يمنع من التحفظ على آراء أو أفكار أو أطروحات يقدمها للناس.

ولذلك أقرأ في كتب من كتب هذا الرجل، أو قرأت سابقاً في بعض كتبه آراء غير جيدة من الناحية الإسلامية: آراء متأثرة بالصوفية مثلاً، وآراء متأثرة بالمعتزلة، وبقايا لوثات من فكره القديم؛ لأنه كان ماركسياً.

وهذه الإشارات لا تجعلنا نقول: إن الرجل ما تاب أو ما تراجع، لا، بل تجعلنا نقول: هذه آثار وبقايا، ونطمع إن شاء الله مع تقدم الزمن به، وعناية أهل الخير ومن حوله به أن تصلح أحواله، وأنا لا أتحدث عن شخص بعينه، فالأسماء لا تعنينا إلا بقدر أن تكون نموذجاً فقط، ففرق بين كوني أهدر الشخص بالكلية وبين كوني أتلقى ما يطرح من آراء وأفكار موثقة ومضبوطة وصحيحة.

فينبغي أن يكون موقفنا من التائبين موقفاً سليماً معتدلاً، لا موقف الإهمال والإغفال، ولا موقف أن ننفخ فيهم ونرفعهم فوق قدرهم؛ فنخسرهم بعد ذلك.

هذه أهم المعالم التي أحببت أن ألقيها بين أيديكم باعتبارها تعليقات على هذه النماذج السريعة، وأسأل الله عز وجل أن يهدي المسلمين جميعاً إلى ما فيه خيرهم وصلاحهم دنيا وأخرى والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015