كان صلى الله عليه وسلم يجتهد في العشر مالا يجتهد في غيره من العبادة، ومن ذلك أنه كان يعتكف فيها -كما سبق- وكان عليه الصلاة والسلام يتحرى فيها ليلة القدر، ولذلك جاء في الصحيحين من حديث عائشة رضي الله عنها، أن النبي صلى الله عليه وسلم {كان إذا دخل العشر شد المئزر، وأحيا ليله، وأيقظ أهله} وزاد مسلم: {كان إذا دخل العشر جدَّ وشدَّ المئزر} .
فقولها: "شد المئزر" قيل: هو كناية عن التشمير للعبادة، وقيل: كناية عن اعتزال النساء، وهذا هو الأقرب أن معنى قولها: شد المئزر، كنايةً عن أنه لا يجامع النساء في العشر الأواخر من رمضان، بل يعتزل أزواجه صلى الله عليه وسلم.
وهذه كناية معروفة عند العرب قال الشاعر: قوم إذا حاربوا شدوا مآزرهم عن النساء ولو باتت بأطهار فمعنى شد المئزر أنه لا يحل إزاره لجماع نسائه، وذلك لأنه كان يعتكف في العشر كما هو معروف.
وكان يجتهد في العبادة، ولذلك قالت عائشة: {شد المئزر وأحيا ليله} وهذا أيضاً كناية عن طول القيام والعبادة بالليل، وأنه كان يقوم الليل كله صلى الله عليه وسلم.
فإما أن يكون المعنى أنه كان يقوم الليل كله من أوله إلى آخره، وإما أن يكون المعنى أنه يقوم معظم الليل.
ولذلك جاء في حديثها الآخر في الصحيح: {ما علمت رسول الله صلى الله عليه وسلم صام شهراً كاملاً غير رمضان، ولا قام ليلةً كاملة حتى الصباح} فيحمل قولها: {وأحيا ليله} على أنه يقوم أغلب الليل، ومن المعروف أنه يتخلل ذلك العشاء، والسحور، ويتخلل ذلك أشياء مما اعتيد أنه كان يفعلها صلى الله عليه وسلم، فيكون قولها أحيا ليله، أي أغلب ليله.