قصة أصحاب الكهف

إنني لأعجب أشد العجب من أصحاب الكهف على رغم صغر سنهم، وحداثتهم، وقلة عددهم، وقرب عهدهم بالهداية، كما ذكر الله تعالى في كتابه، إلا أنهم كانوا بصحة يقينهم، وصدقهم، وإخلاصهم كانوا أذكى وأبرع، وأعرف من كثير من الناس الذين درسوا، ودرّسوا، وقرءوا، وكتبوا وخطبوا وتكلموا، ولكن شتان بينهما كما قال تعالى: {إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدىً} [الكهف:13] وقال تعالى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ} [البقرة:282] وقال أيضاً: {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدىً} [محمد:17] وقال بعض السلف: مَن عمل بما علم أورثه الله تعالى علم ما لا يعلم، فهؤلاء القوم أخلصوا لله، وأقبلوا على الله، وصدقوا مع الله، فجعل الله الحقائق الإيمانية في قلوبهم واضحة، لا تحتاج إلى دروس كثيرة، ولا إلى محاضرات، ولا إلى شيء.

فِتْيَةٌ خرجوا من قومهم، وأوَوا إلى الكهف! ما ذُكِرَ لنا: أنهم تلقوا علوماً كثيرة، ولا أنهم جلسوا زماناً طويلاً، وإنما ظاهر حالهم أنهم كانوا حديثي عهدٍ بالهداية، وقريبي عهد بالإيمان، فخرجوا من بيئات، بعضها بيئات الملوك وأبناء الملوك، ومع ذلك انظر ماذا كان تفكيرهم؟ وماذا كان حديثهم؟ وما هي نظرتهم؟ يقول الله عز وجل على لسانهم: {إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ يَرْجُمُوكُمْ أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً} [الكهف:20] {إِنَّهُمْ إِنْ يَظْهَرُوا عَلَيْكُمْ} [الكهف:20] أي: يغلبوكم، وينتصروا عليكم، فليس أمامهم إلا أحد حلَّين: الحل الأول: {يَرْجُمُوكُمْ} [الكهف:20] وهذا تعبير عن القتل، سواء كان القتل بالرجم أم بالسيف أم بالبندقية أم بالرصاصة أم بغيره، {أَوْ يُعِيدُوكُمْ فِي مِلَّتِهِمْ وَلَنْ تُفْلِحُوا إِذاً أَبَداً} [الكهف:20] وإذا أنتم عدتم إلى ملتهم خسرتم خسراناً مبيناً.

والحل الثاني: هو القتل، وربما لا يصبر الإنسان على القتل، إن هذه هي الحقيقة الناصعة الظاهرة، التي يجب أن يؤمن بها كل مسلم.

والله لقد اندهشتُ -أيها الإخوة- وأنا أقرأ هذه الآية، وكأنني أقرؤها لأول مرة، وبين يدي تصريح لـ ريتشارد نيكسون -الرئيس الأمريكي الأسبق- يقول فيه: ليس أمامنا بالنسبة للمسلمين إلا أحد حلين: الأول: هو تقتيل المسلمين.

والثاني: هو التذويب.

وبغض النظر عن كونه اختار الحل الثاني، ورجحه، إلا أنهما على كُلِّ حالٍ أمران، أحلاهُما مُرٌّ.

فأي قيمة لمسلم قد ذُوِّبَ في المجتمعات الكافرة، وفقد معنى دينه وإيمانه.

إن بقاء المسلم على دينه، هو الصبر وهو النصر، حتى لو أوذِيَ، ولو سُجِنَ، ولو حُورب، ولو عُذب، ولو استُضعِف، ولو صودر ماله، ولو صُودرت كلمتُه، ولو فُعل به ما فُعل.

وإنَّ الهزيمة الحقيقية ليست أن يقتل المؤمن صابراً محتسباً مقبلاً غير مدبر، بل الهزيمة الحقيقية: هي أن يتراجع المسلم عن دينه، كما قال الله تعالى: {وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَهُوَ كَافِرٌ فَأُولَئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ} [البقرة:217] .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015