غربة المسلم بين الكفار

غربة المسلمين بين الكافرين من أهل الملل الأخرى كاليهود والنصارى والوثنيين والمنافقين ونحوهم، فهذه غربة، والمسلمون مهما يكثروا فهم قليل كما قال الله تعالى {وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ} [سبأ:13] وفي الصحيحين من حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {ما أنتم في أهل الشرك إلا كالشعرة البيضاء في جلد الثور الأسود، أو كالشعرة السوداء في جلد الثور الأبيض} فهم قليل من كثير.

إذاً: هذه حقيقة شرعية قدرية أن المؤمنين بالنسبة إلى الكفار قليل، وهذا ما نلاحظه في الإحصائيات، فإن الإحصائيات تقول: إن عدد المسلمين يشكلون خُمُس سكان الكرة الأرضية، مع أن هذه الإحصائية يدخل فيها المسلمون الجغرافيون- كما يقال- ومنهم من لا صلة لهم بالإسلام قط إلا بالاسم، أو بشهادة الميلاد، أو بالبلد الذي ينتمون إليه، بل ومنهم من هم حرب على الإسلام، سواءً من أهل المذاهب الضالة، والأحزاب الكافرة، والبدع الظاهرة أم غير هؤلاء، وهذه الحقيقة، حقيقة أن المسلمين في الجملة غرباء بين أهل الأرض يجب أن نفهمها بتوازن واعتدال، والذين يطمعون بتطهير الدنيا كلها من الكفر والشرك مخطئون، بل لا يزال الصراع قائم بين التوحيد والشرك حتى يلتقي المسيح ابن مريم عليه السلام مع المسيح الدجال ويقتله بباب لد كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم.

بعض الناس يتصورون الآن أننا بالدبلوماسية الهادئة -كما يقال- وبالطرق السياسية المرنة؛ نستطيع أن نوصل الإسلام إلى العالم، وهذه في نظري أشبه بأحلام النائمين، إن بعض الإخوة خاصة من أولئك الذين عاشوا طويلاً في بلاد الغرب قد يواجهون أحياناً نوعيات، وأفراداً من الناس أو حتى جمعيات لا تحمل حقداً ظاهراً مكشوفاً على الإسلام، أو قد يقال عنها: إنها تقف في مناصرة بعض القضايا الإسلامية والعربية كما يعبرون في قضية فلسطين مثلاً أو قضية البوسنة والهرسك أو ما سواهما.

وهذا ليس بالأمر الغريب، ففي الجاهلية الأولى كان يوجد أمثال عبد الله بن أريقط، وكان يوم الهجرة مشركاً، ومع ذلك استأجره النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر يصحبهم في طريق الهجرة، حيث كان مأموناً من جهة، ومن جهة أخرى كان هادياً دليلاً بصيراً بالطريق، وفي مثل هؤلاء يقول الله عز وجل: {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [الممتحنة:8] ؛ لكن كم عدد هؤلاء الذين لا يحملون حقداً ظاهراً منصوباً صارخاً على الإسلام والمسلمين؟ إنهم لا يشكلون ظاهرة ملفتة للنظر في أوساط الأمم الكافرة، وواجب الدعوة لهؤلاء ولغيرهم دعوتهم إلى الله تعالى قائم؛ مع البراءة من شركهم وكفرهم وعدم إقرارهم على ذلك.

لكن يجب أن نعلم ونتعلم من الحديث السابق نفسه وهو قول النبي صلى الله عليه وسلم: {بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً وهو يأرزُ بين المسجدين} - أي مسجد مكة والمدينة، فيجب أن نفهم من ذلك أنه حين أسلم المسلمون من تلك البلاد الغربية، ومهما يوجد تعاطف مع الإسلام من بعض الأفراد أو بعض الجمعيات؛ فإن تلك البلاد تظل في جملتها، وجمهورها، وقياداتها السياسية والعلمية والإعلامية تظل خصماً لدوداً للإسلام والمسلمين، والإسلام يعرف ويعود وينتظم، ويحن إلى البلاد التي خرج منها أول مرة، فهي بلاد الإسلام التي سيعود إليها كما بدأ منها، وأهلها هم حملة الإسلام وحماته في الجملة.

إذاً يجب أن نعرف أن مثل هذه الظواهر، كوجود تعاطف مع الإسلام من بعض الأفراد، أو من بعض الجماعات تعاطفاً ظاهرياً لفظياً، أو حتى تعاطفاً حقيقياً إن هذا لا يعني أننا نستطيع أن نحول هذه البلاد إلى بلاد إسلامية أو نوصل الإسلام إلى جميع أفرادها، مع أن هذا لا يعني أبداً تقليل الجهود التي يجب أن نقوم بها في دعوتهم إلى الله عز وجل كما أن أولئك الذين يتخذون من هذه الحقيقة أعني: (حقيقة قلة المسلمين بالنسبة إلى الكفار) الذين يتخذون منها تكئةً للقعود عن دعوة غير المسلمين، وعدم بذل الجهد في دعوتهم هم أيضاً مخطئون، والنبي صلى الله عليه وسلم الذي أخبرنا بقلة المسلمين بالقياس إلى الكفار لم يمنعه ذلك ولا أصحابه من بذل الجهد في دعوتهم، واستفراغ الوسع في ذلك حتى هدى الله تعالى على أيديهم من شاء هدايته.

وها نحن أيها الإخوة والأخوات، نراكم اليوم في هذا العالم الكافر، فما هو المطلوب منكم؟ إنه ليس مطلوباً أن تنقلوا لهؤلاء -كما تعبر بعض الجهات- التراث الشعبي والعادات الاجتماعية الموروثة، كلا، ولا أن تصدروا الآراء الخاصة والاتجاهات المحددة، ولكن أن تقدموا لهم دين الله تعالى، وهذا الوقت الذي تطورت فيه وسائل الاتصال وأصبح الإنسان كما يقال: يعطس هنا فتشمتونه أنتم على بعد آلاف الأميال، ويتحدث فتسمعونه، إن الغرب ما يزال لا يعرف عن الإسلام اليوم إلا أنه دين السيف، والرق، وتعدد الزوجات، ثلاث قضايا يشهرونها في وجه كل مسلم وكل داعية إلى الإسلام، أنه دين السيف، ودين الرق، ودين تعدد الزوجات.

ونقول نحن المسلمين: نعم.

نؤمن أن النبي صلى الله عليه وسلم بُعِثَ بالسيف، كما قال عليه الصلاة والسلام: بعثت بالسيف بين يدي الساعة} والحديث عند أحمد وأبي داود من حديث ابن عمر وسنده جيد، وهذا يعني الجهاد في سبيل الله، وأعتقد أننا لسنا بحاجة إلى كبير جهد الآن لإقناع الغربيين بذلك، في ظل هيمنة النظام الغربي على عدد من الدول العربية والإسلامية، وغيرها عن طريق التدخل العسكري المباشر لحماية مصالحه الاقتصادية، أو تحقيق مصالحه السياسية، أو ضمان مستقبله كما يخطط ويرتب، وفي ظل تجاهل الدول كلها لصرخات المسلمين المستضعفين في البوسنة والهرسك ما بين نساء مغتصبات يزيد عددهن على مائة وعشرين ألف امرأة مسلمة، وما بين أطفال أبرياء يزيد عدد النازحين منهم على خمسة وعشرين ألف طفل، وما بين شيوخ عاجزين، بل والعالم كله يشارك في الجريمة من خلال منع المسلمين من الحصول على السلاح للدفاع عن أنفسهم على حين يصل السلاح إلى عدوهم الصرب من إيطاليا ورومانيا وروسيا وغيرها، بل ويقاتل إلى جانب الصرب أكثر من عشرة آلاف شاب روسي كما ذكرت وكالات الأنباء.

إذاً: لماذا يستكثرون على المسلمين ما يفعلونه هم أنفسهم في الدفاع عن أنفسهم وعن مصالحهم؟ هذا مع الفارق الكبير! فالجهاد الإسلامي ليس جهاداً لصالح عرق من الأعراق، أو شعب من الشعوب، أو لفرض هيمنة جهة بعينها، بل هو جهاد لإحقاق الحق وإبطال الباطل، ونصر دين الله عز وجل كما قال الله تعالى: {وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ لِلَّهِ} [البقرة:193] وكما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتفق عليه: {من قاتل لتكون كلمة الله هي العليا فهو في سبيل الله} .

إذاً، لسنا في حاجة إلى كبير جهد لإقناعهم عن قضية الجهاد في الإسلام في مثل هذا الحال، ومثل ذلك موضوع الرق مثلاً، فهو إحدى ثمرات الإصرار على الكفر ومواجهته الإسلام بالقوة.

وأيضاً موضوع تعدد الزوجات هو شريعة إلهية ثابتة بنص قرآني، ولن نستحي من ذلك أبداً، ولن نلف أو ندور أو نجامل في تقريرها، والله تعالى يقول: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء:3] ثم هو من موجب الوضوح والنزاهة والنظافة في دين الإسلام، ولا بديل عن ذلك بالفوضى الجنسية التي يعيشها الغرب.

أيها الأحبة: إننا لم نقدم لهم إسلاماً مطوراً يتلاءم مع أذواقهم ومع أمزجتهم، بل هذا الإسلام -إن صحت تسميته إسلاماً- لا يثيرهم ولا يحتوي على عنصر الجاذبية الكافية التي تغريهم وتشدهم إلى دراسته والقناعة به، لا، سوف نقدم لهم الإسلام الصحيح كما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم، وكما جاء في القرآن الكريم، وكما جاء على لسان الصادق المصدوق عليه الصلاة والسلام في صحيح الأحاديث، وكما فهمه ووثقه السلف الصالح رضي الله عنهم، وعلى رأسهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم، فهم الفيصل في تحديد المعنى الصحيح في النصوص الشرعية.

إن هذه إحدى مسئوليات المغترب أنه ينقل الإسلام بكلماته وبعباراته وبدعوته وبشعاراته، وقبل ذلك وبعده بسلوكه العملي والخلقي، وعبادته واعتزازه بالدين وثقته بما عنده من الحق، إذاً الصورة الأولى من صور الغربة التي يعيشها المسلمون هي: غربة المسلم بين الكفار.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015