المناهج في الدعوة والعمل

وأضرب لك مثلاً واحداً فقط، هذا الإمام ابن تيمية رحمه الله تعالى، فالذي يقرأ سيرته وتاريخه وعلمه وجهاده، يبدو له جلياً واضحاً، أن شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله، تميز بمنهج خاص متكامل، في دعوته وعلمه وجهاده، وأمره بالمعروف ونهيه عن المنكر، تميز به عن كثير من علماء عصره، ولهذا ظل شيخ الإسلام ابن تيمية متفرغاً لدعوته، لعلمه وجهاده، ينتقل من بلد إلى بلد، بل ينتقل أحياناً من سجن إلى آخر، وناظر كثيراً من الفقهاء، واختلف معهم، واتفق مع آخرين، وناقشهم وناقشوه، وناظرهم وناظروه، بل ومنهم من قال فيه ما قال، وحاربه وتسبب له، بل بعضهم سعى في الوشاية به إلى أن يقتل، ومع ذلك ظل شيخ الإسلام ابن تيمية ملتزماً سنن العدل، والبعد عن الظلم والعدوان، والانتقام والانتصار للنفس، وغير ذلك من المعاني.

ومن المعلوم أن شيخ الإسلام ابن تيمية لم يتقلد وظيفة قط طيلة عمره.

لم يتول القضاء، أو أي عمل آخر، ليس لأنه يعتقد أن الوظائف حرام! كلا، بل هو يعتقد أن الوظائف قد تصل إلى حد الوجوب أحياناً، كما صرح في فتاويه بذلك، ولكن لأنه يرى بالنسبة له هو شخصياً، أن بقاءه في الميدان الطلق، يذهب إلى هنا ويذهب إلى هناك، يقول كلمة الحق، ويأمر بالمعروف وينهي عن المنكر، يحتسب على الكبار وعلى الصغار، وعلى العلماء، وعلى العامة وعلى الخاصة، وعلى الجميع، رأى أن هذا هو الأليق بحاله.

وكان له تلاميذ ومريدون، يذهبون معه، وينقلون علمه، ويكتبون عنه، ويأمرون معه بالمعروف، وينهون معه عن المنكر، حتى إنهم ذهبوا إلى جبال النصيرية، وقطعوا أشجارهم، واحتسبوا عليهم، وألزموهم بالسنة، وحتى أنهم يرون الخمور فيريقونها في الشوارع، ويرون المنكرات فينكرونها، وما ذلك إلا لأن السلطة المركزية ضعفت في عهد ابن تيمية رحمه الله، فلم تكن تغير المنكرات، ولم تكن تأمر بالمعروف كما يجب، وأصبح في إمكان العلماء أن يقوموا بذلك، والله تعالى يقول: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} [النساء:59] وأولو الأمر كما هو معروف: هم العلماء والأمراء، فطاعة العلماء واجبة -أيضاً-، كما يطاع الأمير في طاعة الله تعالى، طاعة بالمعروف.

فالمهم أن ابن تيمية رحمه الله كان له منهج واضح متميز، في علمه ودعوته، وجهاده، وفي أمره بالمعروف، ونهيه عن المنكر، وهذا هو المقصود، أما تميزه في المجالات الأخرى، فهذا أمر ظاهر معروف، ولكن ليس هو مجال حديثنا، وإلا فإنه كان شجاعاً في الدعوة إلى عقيدة السلف الصالح، وتحريتها والاستدلال بطريقة لم يكد يسبق إليها، إلى غير ذلك من ألوان العلوم، التي فتح الله تعالى بها على هذا الإمام، الذي ندر أن يوجد مثله.

واليوم نجد أن مناهج الدعوة إلى الله قد تنوعت وتعددت، وكثرت في معظم بلاد الإسلام، بل في كل بلاد الإسلام، فكلٌ له منهج وله طريقة يدعو بها إلى الله تعالى، أو يأمر بها بالمعروف، وينهى عن المنكر، أو حتى يعلم الناس فيها القرآن والسنة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015