رسالة إلى القائمين على تلك الصحف

أما الرسالة الأولى: فإني أبعث بها إلى القائمين على تلك الصحافة أولاً، فأقول لهم: اتقوا الله واعدلوا.

إنكم تتكلمون عن السلوك الحضاري، والسلوك الحضاري ليس شعاراً يرفع إنما هو ممارسة، وليس من السلوك الحضاري استغلال الإمكانيات للإساءة إلى الآخرين، أو إثارة الأحقاد الشخصية، أو تبادل السباب والشتائم.

إن هذا إن دل على شيء فإنما يدل على أننا لا نزال نعيش في عصر العنتريات اللفظية التي لا طائل من ورائها.

إن البعيدين من الناس لم يسمعوا إلا صوتكم فوجدوه صوتاً مرتفعاً خشناً، صوتاً يحمل الألفاظ البذيئة، وكلمات السباب، والشتم، والعار، والسخرية، ولكنهم لم يسمعوا من الطرف الآخر شيئاً يدل على أنه كان يجب أن تقولوا ما قلتم، فاتقوا الله تعالى فيما تقولون وفيما تكتبون.

إننا نذكركم الله تعالى، نذكركم الإسلام الذي ينتسب إليه معظمكم، كما تدل على ذلك أسماؤكم، أن تحافظوا عليه، وأن تتقوا الله تعالى في بني دينكم في مثل هذه الكلمات والعبارات النابية التي أحلف بالله أنها لم تطلق من قبلكم على أحد قط، حتى على أشد الناس عداوة لكم الآن، وحتى على جيرانكم الذين اجتاحوكم يوماً من الأيام.

كما أننا نطالبكم بإتاحة الفرصة للآراء الأخرى المخالفة لكم، الذين يحملون صوت الإسلام ويبلغونه للناس، أن تتيحوا لهم الرأي ليتكلموا عما في نفوسهم، وأن تعطوهم فرصة ليردوا عليكم، ويفندوا مثل هذه الأقوال والادعاءات الباطلة فهذا مقتضى الحرية والديمقراطية التي تتكلمون عنها وتطالبون بها.

كما أننا نطالبكم حينما تنتقدون المجتمع بكل طبقاته، أو تنتقدون أجهزة الدولة أن تحرصوا على النقد البناء الذي يراعي الأمانة، والعدل، وألا يكون همكم مجرد شتم أو سب أو تجريح، فإن هذا لا يمكن أن يزيل مرضاً، أو يعالج خطأً، وإنما سوف يزيد الهوة بين أفراد المجتمع.

نحن نطالب بالنقد البناء، حتى لأنفسنا، وللمؤسسات الإسلامية، ولطلبة العلم، وللكتب الإسلامية، ويوم كنتم قبل سنوات تتكلمون عن الجماعات الإسلامية لم يقل عنكم أحد شيئاً، رغم أن كلامكم كان فيه شدة، وقسوة، وعنف، وبعد عن الموضوعية، أما أن يصل الأمر إلى هذا المستوى الذي وصل إليه الآن فإنه لا يمكن السكوت على هذا بحال من الأحوال.

نحن نوافق على نقد بناء، نقد هادف، نقد موضوعي يستهدف الإصلاح، أما الاستفزاز، والإثارة، والسخرية فهذا لا يمكن أن يقبله عاقل، ولا منصف، ولا راعٍ للأمانة مهما يكن.

أما الفئة الثانية من الصحفيين: فهم الصحفيون في هذا البلد، فإني أطالبهم بأن يقفوا من مثل هذه الحملة موقفاً هو الذي يقتضيه الإسلام، وتقتضيه أخوة الدين، فإنه لا يجوز أبداً أن يتعاونوا مع أولئك في مثل هذا الموقف، وإنني أعلم أن بعض هذه الصحف تطبع في هذه البلاد، ومؤسسة عكاظ -مثلاً- هي التي تطبع جريدة السياسة الكويتية على حسب علمي، وهذا لا يجوز أبداً؛ لأنه من التعاون على الإثم والعدوان، فعليهم أن يكفوا عما هم عليه، وإلا فليتبرءوا من طباعة مثل هذه الجريدة في مثل هذا المكان.

كما إننا نطالب الصحفيين بأن لا يقفوا هكذا فقط، بل ينبغي أن يردوا على مثل هذه الحملات الظالمة الآثمة، وألا يكونوا ظهيراً للمجرمين: {قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ} [القصص:17] وقد رأينا ولاحظنا في بعض صحفنا أنها بدأت تمارس هذا الدور نفسه، ولكن بطريقة مهذبة، فإن الهجوم مثلاً على جهاز هيئات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصبح ظاهراً في عديد من صحفنا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015