إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً كثيراً.
هذا هو الدرس الخمسون والأخير من سلسلة الدروس العلمية العامة لهذه الفترة، ينعقد في هذه الليلة ليلة الإثنين العاشر من جمادى الآخرة لعام ألف وأربعمائة واثنتي عشرة للهجرة.
وأتمثل بين يدي وأنا أتحدث إليكم في هذا الموضوع ما رواه الترمذي في سننه وحسنه عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {من رد عن عرض أخيه بالغيب رد الله عن وجهه النار يوم القيامة} وأسأل الله جل وعلا أن أكون وإياكم من الذابين عن أعراض إخواننا المؤمنين بما نستطيع وأقل ما نستطيعه هو سلاح الكلمة.
الكلمة -أيها الأحبة- أمانة في عنق المتحدث سواءً أكان هذا المتحدث خطيباً يعتلي أعواد المنابر، أم كان متحدثاً، أم كان كاتباً، أم صحفياً، أم غير ذلك.
وهي أمانة عظمى إذ أن الكلمة هي أول كل شيء، فالجنة تدخل بكلمة: لا إله إلا الله.
وكلمة الكفر التي هي: {كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ} [إبراهيم:26] هي التي تهوي بصاحبها إلى نار جهنم وبئس القرار، والحرب تبدأ بكلمة والصلح يبدأ بكلمة.
وإن النار بالعودين تذكى وإن الحرب مبدؤها كلام والإنسان المؤتمن على هذه الكلمة خطيباً كان، أو إعلامياً، أو صحفياً، أو شاعراً، أو كاتباً، أو قصاصاً ينبغي أن يتمثل أفضل الصفات وأنبلها، ويفترض أن يكون موجهاً، ومرشداً، وداعياً، ومعلماً قبل أن يكون مالكاً فقط لزمام الكلمة بجودة الحديث، ينبغي أن يكون على مستوى التوجيه الذي يحمله للمجتمع، فلا يتسلم هذا المنصب إلا أنبل الناس، وأفضل الناس، وأقدر الناس على التفكير، وأصدق الناس، وأصلح الناس.