واعلم أخي المسلم أن الله تعالى قد ينعم على العبد بالبلوى فيكون المرض، أو الخوف، أو الحزن، أو فقدان المال، أو الأهل، أو بعض ما في اليد، يكون ذلك سبباً في نعمٍ كثيرةٍ للعبد، وكم من نقمةٍ في طيها ألفُ نعمة، فقد يكون ذلك سبباً في توبةٍ إلى الله، أو مراجعةِ حساب، أو تصحيح مسيرة، أو تعديل خطأ، (وربما صحت الأبدان بالعلَلِ) كما أن الله تعالى قد يبتلي آخرين بالنعم، يسوقها إليهم سوقاً، ويصبها عليهم صباً؛ لينظر كيف يعملون.
قد ينعم الله بالبلوى وإن عظمت ويبتلي الله بعض القوم بالنعم ولهذا لما حدث لسليمان عليه السلام ما حدث من نعمة الله تعالى، وأعطاه الله ملكاً عظيماً لم يكن لأحدٍ من قبله ولا لمن بعده كما دعا بقوله: {قَالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَهَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي} [ص:35] وسخر الله له الشياطين يعملون بأمره، وسخر له الريح تجرى بأمره رخاءً فقال: {قَالَ هَذَا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} [النمل:40] وكذلك لما سمع عليه السلام كلام النمل وهمس بعضها لبعض وهي تقول: {يَا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَسَاكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمَانُ وَجُنُودُهُ وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} [النمل:18] فشعر بجليل نعمة الله تعالى عليه، إذ سخر له ما سخر، وعلمه منطق الطير، فعرف ما تقول النمل، {فَتَبَسَّمَ ضَاحِكاً مِنْ قَوْلِهَا وَقَالَ رَبِّ أَوْزِعْنِي أَنْ أَشْكُرَ نِعْمَتَكَ الَّتِي أَنْعَمْتَ عَلَيَّ وَعَلَى وَالِدَيَّ وَأَنْ أَعْمَلَ صَالِحاً تَرْضَاهُ وَأَدْخِلْنِي بِرَحْمَتِكَ فِي عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ} [النمل:19] .