النقطة الثانية: اهتمام العلماء بأحاديث الفتن، فالعلماء وعلى رأسهم الصحابة رضي الله عنهم، قد اهتموا بأحاديث الفتن اهتماماً كبيراً وإن لم تشغلهم عن ما هو أهم منها كما سيأتي، لكن من اهتمام الصحابة رضي الله عنهم بأحاديث الفتن، ما رواه الشيخان عن حذيفة رضي الله عنه أنه قال: {كان الناس يسألون الرسول صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني} .
عرفت الشر لا للشر لكن لتوقيه ومن لا يعرف الشر من الخير يقع فيه ف حذيفة رضي الله عنه عرف الشر لا للشر لكن ليتقيه ويحذر منه، ولذلك كان حذيفة أمين سر رسول الله صلى الله عليه وسلم، والخبير بالمنافقين، وأحوالهم، وأسمائهم، وأوصافهم، وكذلك كان العالم بالفتن، ولذلك جاء في الصحيحين أيضاً: {أن عمر بن الخطاب قال يوماً لبعض الصحابة: أيكم يذكر حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم في الفتنة، فقال حذيفة رضي الله عنه: أنا أحفظه! قال: إنك عليها لجريء تعالَ اذكر لنا! فقال حذيفة رضي الله عنه: فتنة الرجل في أهله، وماله، تكفرها الصلاة، والصوم، والحج، والصدقة، فقال عمر رضي الله عنه: ليس عن هذا أسألك، إنما أسألك عن الفتنة التي تموج كموج البحر، فقال: مالك ومالها يا أمير المؤمنين إن بينك وبينها باباً مغلقاً، أنت عنه بعيد، فقال له عمر: رضي الله عنه أيفتح هذا الباب المغلق أم يكسر؟ قال حذيفة: بل يكسر، قال: هذا حري ألا يغلق أبداً} قال بعض الرواة: [[فهبنا أن نسأل حذيفة من الباب، فأمرنا مسروق -ومسروق هو أحد التابعين، وهو ابن الأجدع - فجاء إلى حذيفة وسأله: قال له من الباب؟ قال: عمر رضي الله عنه، هذا هو الباب الذي يحول دون الفتن فقتله هو كسر الباب، فقال: هل كان عمر يدري أنه هو الباب؟ قال: نعم يدرى، إني حدثته حديثاً ليس بالأغاليط]] ، أي أخبرته بهذا، وأخبرته أنه هو الباب الذي يحول بين الأمة وبين الفتن.
إذاً: الصحابة رضي الله عنهم كان من بينهم من يهتم بأخبار الفتن وأحوالها، ويتتبعها ويسأل عنها ليحذرها ويحذر الناس منها، ثم جاء بعد ذلك العلماء فصنفوا الكتب، كما فعل البخاري، ومسلم، وأبو داود، الترمذي، والنسائي، وابن ماجة وغيرهم، فكانوا إذا ألفوا وجمعوا أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم قالوا: كتاب الفتن، أو كتاب الملاحم وأشراط الساعة، ثم يذكرون بعض أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم الواردة في الفتن.
ثم جاء علماء آخرون فألفوا وصنفوا كتباً خاصة، حول أحاديث الفتن، وقد صنف في أحاديث الفتن جماعة كثيرة من أهل العلم، منهم: نعيم بن حماد، له كتاب مخطوط اسمه الفتن والملاحم ومنهم: حنبل بن إسحاق الشيباني، له كتاب اسمه "الفتن" وهو مخطوط أيضاً، ولا أدري أهو موجود أيضاً أم لا.
ومنهم أيضاً: أبو عمرو الداني، الذي صنف كتاباً أسماه "السنن الواردة في الفتن" وهو مخطوط.
ومنهم أبو الغنائم الكوفي، صنف كتابا أسماه "الفتن".
ومنهم الحافظ ابن كثير، له كتاب "النهاية في الفتن والملاحم" وقد يسميه بعض الناس (الفتن والملاحم) ومن هؤلاء كتاب "الملاحم" لـ أبي الحسن بن المنادى، وهناك الكتب الواردة في أشراط الساعة، مثل: "الإذاعة فيما كان وما يكون بين يدي الساعة" لـ صديق حسن خان، وكتاب "الإشاعة لأشراط الساعة" للبرزنجي، وهناك كتب خاصة في أنواع معينة من الفتن.
فمثلاً: الدجال، هناك كتب خاصة في أحاديث الدجال، ككتاب "التصريح لما تواتر في نزول المسيح"، وهناك أحاديث في عيسى بن مريم، وهناك كتب خاصة في المهدي قديمة وجديدة، هذه الكتب من كتب الملاحم ويذكرون فيها كثيراً من كتب الفتن، ومن الكتب المعاصرة وهى كثيرة كتاب "إتحاف الجماعة" وهو كتاب ضخم جامع للشيخ عبد الله بن حمود التويجري، "إتحاف الجماعة في أحاديث الفتن وأشراط الساعة" وهو كتاب ضخم جامع حاشد، جمع فيه كثيراً من الأحاديث الواردة في ذلك، وهناك كتاب جديد اسمه "مجموعة أخبار في الزمان وأشراط الساعة" للشيخ عبد الله بن سليمان المشعلي، من علماء هذا البلد، وهناك كتاب "أشراط الساعة" لـ يوسف الوابل وهو رسالة ماجستير في جامعة أم القرى، قسم العقيدة في كلية الشريعة عام (1404هـ) إلى كتب كثيرة جداً في الفتن والملاحم وأحاديثها.