الوقفة الثالثة عشرة: إن رمضان شهر الجهاد.
والجهاد -كما تعلمون- ذروة سنام الإسلام، وفي الحديث الذي رواه البخاري عن أبي هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {إن في الجنة مائة درجة، ما بين كل درجة والتي تليها كما بين السماء والأرض، أعدها الله تعالى للمجاهدين في سبيله، وأعلى ذلك الفردوس، فإذا سألتم الله؛ فسلوه الفردوس الأعلى، فإنه أعلى الجنة وأوسط الجنة، ومنه تتفجر أنهار الجنة، وفوقه عرش الرحمن عز وجل} ففي الجنة مائة درجة هي للمجاهدين في سبيل الله عز وجل، ولذلك فإن رمضان ليس شهر النوم والكسل والبطالة، بل هو شهر الجهاد.
خذ على سبيل المثال: حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، فأعظم معركتين في حياة النبي صلى الله عليه وسلم كانتا في رمضان، أولاهما: معركة بدر الكبرى، فإنها كانت في شهر رمضان، ومعركة بدر هي الفرقان الذي فرق الله تعالى بها بين عهد الذل والاستضعاف، وبين عهد العزة والتمكين للرسول صلى الله عليه وسلم وللمؤمنين، ولذلك كان الرسول صلى الله عليه وسلم في يوم بدر يرفع يديه إلى السماء ويبتهل إلى الله عز وجل، حتى سقط رداؤه عن منكبه، وهو يقول: {اللهم نصرك الذي وعدتني، اللهم نصرك الذي وعدتني، اللهم إن تهلك هذه العصابة لا تعبد بعد اليوم في الأرض.
حتى جاء أبو بكر رضي الله عنه من ورائه فالتزمه، ووضع رداءه على منكبيه، وقال: يا رسول الله! كفاك مناشدة ربك -أي ارفق بنفسك- فإن الله تعالى منجز لك ما وعد} فنصر الله تعالى رسوله والمؤمنين نصراً مؤزراً تحدثت به الركبان، وكان فرقاناً وفيصلاً بين عهد الذل والاستضعاف، وبين عهد القوة والنصر والتمكين قال الله: {وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ وَأَنْتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [آل عمران:123] .
المعركة الثانية: هي معركة فتح مكة، وكانت من أخطر وأهم المعارك في حياة الرسول صلى الله عليه وسلم، لأن مكة كانت مركز الجزيرة العربية، ومكان الحج والعمرة، والناس يأتونها من كل مكان، فكانت الوثنية تسيطر على مكة على مدى ثمان سنوات بعد هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم، حتى منعوا الرسول صلى الله عليه وسلم يوم الحديبية من دخول مكة وأداء العمرة، فلما ذهب عليه الصلاة والسلام إلى مكة ودخلها فاتحاً؛ دانت له الجزيرة العربية كلها.
وكان فتح مكة في السنة الثامنة، وفي السنة التاسعة جاءت الوفود إلى الرسول صلى الله عليه وسلم من أنحاء الجزيرة العربية تبايعه على الإسلام، ولهذا يصح أن نقول: إن فتح مكة هو الوقت الذي زالت فيه غربة الإسلام، وأصبح الإسلام عزيزاً في أنحاء الجزيرة، وسقطت سلطة الوثنية في هذه البلاد.
وكان فتح مكة -أيضاً- في رمضان.
وهناك كثير من الفتوحات والمعارك الفاصلة في الإسلام كانت في رمضان، أذكر منها معركة عين جالوت، المعركة التي نصر الله فيها عباده المؤمنين بقيادة المماليك على التتار، وانكسر مدهم وانهزموا بعد ذلك هزيمةً منكرة لم يقم لهم بعدها قائمة.
فرمضان هو شهر الجهاد، وهذا يذكرنا بأمرين: