أيها الأحبة إن تساقط الأقاليم والولايات والمدن في أيدي المجاهدين واحدة بعد أخرى كما تتساقط أوراق الخريف لم يكن إلا ثمرة جهاد طويل دام ما يزيد على ثلاثة عشر عاماً، وبذلت في هذا الجهاد أرواحٌ لعلني لا أبالغ إذا قلت إنها تقدر بمئات الآلاف، وأسأل الله جل وعلا أن يكونوا شهداء في سبيله، كما بذلت فيه أموال طائلة هائلة لا يعلم مداها وقدرها إلا الله عز وجل، كما أوقفت عليها جهود جبارة من التخطيط والعمل والتدريب؛ فضلاً عن جهود أخرى في مجالات متعددة كالإعلام والتعليم، فضلاً عن تضحيات جسام لا تكاد تحد، ولا توصف، وقد كان هذا الذي جرى من تساقط الولايات هو -بإذن الله تعالى- ثمرةً لهذا الجهاد الطويل المرير.
فلا غرابة إذاً أن تشرئب أعناق المسلمين لهذا النصر الكبير، وتتشنف أسماعهم لأخبارهم، وتشرق وجوههم بعلامات الفرحة الغامرة وهم يسمعون أنباء تساقط المدن واحدة بعد أخرى في أيدي المجاهدين، ولا غرابة أيضاً أن تنزعج لذلك قلوب المنافقين وترتعد فرائصهم، فيبدو على فلتات ألسنتهم، وعلى صفحات جرائدهم ومجلاتهم ما كانت تكنه قلوبهم المريضة من عداوة للإسلام والمسلمين، فتجدهم يدقون طبول الحرب الأهلية التي يراهنون على أنها سوف تحتدم بين فصائل المجاهدين.
ولا غرابة أيضاً أن يضع المسلمون أيديهم على قلوبهم لهفةً إلى اكتمال هذا النصر المبين وتكليله لقيام حكومة إسلامية من فصائل المجاهدين تحكم أفغانستان، وتقودها إلى بر الخير والأمن والإيمان، وتحميها من شر التفرق والتشرذم والاختلاف، وما ينجم عنه من ويلات وفتن ومحن وحروب طاحنة.
ولا غرابة أن يتنادى الغيورون من أهل الإسلام إلى ضرورة التواصل مع المجاهدين، ومع قياداتهم دعماً ومساندةً ونصحاً لهم، وجهوداً متصلةً للتوفيق بينهم، وتسديد خطواتهم وآرائهم، وما هذه الجلسة المباركة إلا نوعٌ من المشاركة، فإذا كانت الموانع والأسباب عن الشخوص والذهاب إلى إخواننا المجاهدين هناك، ومشاركتهم في آلامهم ومعاناتهم مشاركةً مباشرة تحول دون ذلك، فإذا كان ذلك كذلك، فلا أقل من كلمة تتعدى وتتحدى حدود الزمان والمكان لتصل إلى الآذان آذان أولئك الإخوة المرابطين على الثغور، وإلى الله تعالى عاقبة الأمور.
أيها الأحبة اشتركنا جميعاً في الاستماع من أفواه الرواة، ومن الوسائل الأخرى، أو قراءة أعداد كبيرة من الأخبار المتعلقة بالوضع الأخير في أفغانستان، والذي بدأت ملامحه تبين من أول شهر رمضان المبارك، فمن ذلك أن عدداً كبيراً من الولايات بدأت تتساقط، وتستسلم للمجاهدين دون قتال، أو بقتال يسير، أو عنيف، المهم أنه ينتهي بسقوطها في أيدي المجاهدين، وقد كان من أول الولايات التي سقطت في أيدي المجاهدين مزار شريف، وقائدها: دوستم الذي يقال: إن تحت يده خمسين ألف مقاتل ورامي أنضم بهم كلهم إلى صفوف المجاهدين، وقد كان هذا في شهر رمضان المبارك، ثم بعد ذلك ولاية بروان وبها قواعد لصواريخ اسكود، وما يزيد عن أربعين طائرة مقاتلة، وقد سقطت في أيدي المجاهدين، ثم سقطت قاعدة بجرام، وهي قاعدة جوية، بل هي أكبر قاعدة جوية في أفغانستان، وقد أعلنت وكالات الأنباء عن سقوطها، وأن في هذه القاعدة ما يزيد عن مائة وواحد وستين طائرة كلها سقطت في أيدي المجاهدين، ومثلها قاعدة سنداند وهي أيضاً قاعدة جوية كبيرة تحتل المرتبة الثانية بعد قاعدة بجرام، ثم تهاوت عدد من المدن كمدينة غزني التي ينتسب إليها القائد الغزنوي الشهير الذي فتح بلاد الهند، وغزاها سبع مرات، وكان له قصة مشهورة معروفة؛ حيث أنه لما أراد قتل الصنم، حاول الهنود أن يرشوه بالذهب، فأعطوه ذهباً كثيراً مقابل ألا يكسر، وألا يحرق هذا الصنم، فأخذ الذهب وحرق الصنم، وبذلك كان الشاعر: محمد إقبال رحمه الله يقول مذكراً بهذا الحادث: كنا نرى الأصنام من ذهبٍ فنهدمها ونهدم فوقها الكفارا لو كان غير المسلمين لحازها ذهباً وصاغ الحلي والدينارا فيقول: إن المسلمين لا يمكن أن يبيعوا توحيدهم وعقيدتهم بشيء مهما غلا ثمنه، فقد سقطت مدينة غزني الشهيرة بأيدي المجاهدين، كما سقطت مدينة قندز وهي ثالث مدن أفغانستان، ثم هلمند، ثم هرات، ثم مدينة بادغيث، وأخيراً كابل، فإن كابل قد سقط مطارها في أيدي ضباط متحالفين مع أحد فصائل المجاهدين، وقد صرح مندوب الأمم المتحدة حينما ذهب إلى هناك بأنه رأى الجنود في مطار كابل وهم غير الجنود المعتادين الذين كان يشاهدهم من قبل، ويشاع أن هناك أحياء من كابل قد سقطت أيضاً في أيدي المجاهدين، بل وصلني خبرٌ قبل أن أصل إلى هذا المكان بدقائق من باكستان أن مجموعات من المجاهدين التابعة للحزب الإسلامي دخلت إلى أحياء من كابل، ووصلت إلى السجن، وفتحت أبواب السجن، وأخرجت آلافاً من المساجين والمجاهدين المسلمين الذين كانوا معتقلين في ذلك السجن.