إن من المهم أن يعرف الإنسان بعض القواعد العامة التي يُرجع إليها في تمييز الموضوع وبيانه، ولذلك يَحسُن الرجوع إلى كتاب المنار المنيف في الصحيح والضعيف للإمام ابن القيم رحمه الله؛ فإنه عني في هذا الكتاب ببيان القواعد العامة التي تضبط الأحاديث الموضوعة، وذلك مثل: كون الحديث فيه من المجازفات والمبالغات ما لا يتوقع صدوره من رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك كحديث: {من قال لا إله إلا الله؛ خلق الله من هذه الكلمة طائراً له سبعون ألف جناح، في كل جناح سبعون ألف ريشة} أو {خلق الله من هذه الكلمة طائراً له سبعون ألف لسان، في كل لسان سبعون ألف لغة، يستغفر لقائلها} أو نحو ذلك من المجازفات التي يرفضها العقل.
ومثل: قاعدة أن ما خالف الأصول المستقرة في الدين فهو غير صحيح.
وذلك كحديث: {أن من كان اسمه أحمد، أو محمد، فإنه لا يدخل النار} لأن من المعلوم ضرورة من دين الإسلام؛ أن الإنسان يدخل الجنة أو يدخل النار بعمله، كما قال تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى * وَأَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرَى * ثُمَّ يُجْزَاهُ الْجَزَاءَ الْأَوْفَى} [النجم:40-41] .
وكذلك قاعدة: أن الأحاديث التي تخالف الحس الثابت فهي غير صحيحة، مثل: بعض الأحاديث التي تذكر فضائل ألوان من الطعام؛ كالباذنجان مثلاً، أو الأرز، أو الهريسة أو غيرها، وتنسب لها من الفوائد ما يقطع الأطباء وغيرهم بأنه كذب؛ كحديث: {الباذنجان لما أُكل له} .
كذلك قاعدة: أن ما خالف التاريخ فهو كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك كالأحاديث الواردة أن دولة بني العباس تبقى إلى آخر الدهر، فقد ثبت تاريخياً أن هذه الدولة سقطت وانتهت.
ومثله: الأحاديث التي وردت في ذكر تواريخ معينة تقع فيها حوادث معينة، مثل: أنه في سنة كذا وكذا يحدث كذا وكذا يحدث رجَّة، أو صيحة، أو ما أشبه ذلك.
فهذه كلها كذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكذلك حصر الإمام ابن القيم رحمه الله، بعض الأبواب والفصول من العلم، التي لا يصح فيها حديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وهذه ميزة لهذا الكتاب لا تكاد توجد في غيره؛ أعني بها ذكر الضوابط العامة التي يُعرف بها الحديث الموضوع، وكذلك ذكر جُمل من العلم لم يصح فيها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم حديث.