النوع الثاني من النكت المذمومة: نكت فيها وضيعة في الخُلق.
والخلق جزء من الدين، وقد أفردته أيضاً لأسباب: لأن كثيراً من النكت التي يتبادلها الأدباء والشعراء والهازلون، فيها حط من الأخلاق، فمثلاً هناك قسم كبير جداً من النكت يتعلق بالقضايا الجنسية، علاقة الرجل بالمرأة، وعلاقة المرأة بالرجل، وصفات النساء، وصفات الرجال، وفلان قال، وفلانة قالت، وذكر أشياء من هذا القبيل مما تشمئز منها النفس، ويكرهها الطبع السليم، ويأباها الذوق، وترفضها الفطرة، ويمنعها الدين أيضاً، فهذه الأشياء مما لا ينبغي أن تقال ولا تذكر، وينبغي أن يستحي الإنسان من الكلام في مثل هذه الأمور، وإذا كان الإنسان يستحي -أحياناً- حتى من السؤال عن أمر يتعلق بقضايا الجنس، والعلاقات الزوجية، والعلاقة بين الرجل والمرأة، حتى يحتاج إلى أن يقال له: {وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ} [الأحزاب:53] اسأل عما بدا لك، اسأل عما تحتاج من أمر دينك، فكيف إذا كان الأمر يتعلق بنكت أو طرائف.
بل إن من أعظم مفاسد هذه النكت والطرائف، أنها تجرئ الفتيات والشباب من الجنسين على الكلام في مثل هذه الأمور المذمومة، فإن الرجل قد يخجل أن يبدأ الكلام في مثل هذه القضايا، وكذلك المرأة إذا كانوا أجانب عن بعض، لكن إذا ساق نكتة فإنها تفتح له الباب على مصراعيه، أن يلج في الكلام القذر الوقح البذيء، الذي لا يسوغ ولا يليق، يقوله من خلال نكتة.
ولذلك أهل الفساد والريب الذين يعاكسون ويؤذون المؤمنين والمؤمنات، يستخدمون بعض هذه النكت كمدخل، ثم يصلون من ورائها إلى ما يريدون، ويقحمون في كلامهم البذيء القذر، قال ابن عباس، وقال ابن سيرين، وقال الحسن البصري، وهم يقصدون من وراء ذلك مقاصد ومعاني ذميمة.
وكذلك الفحش مما يدخل في الوضيعة في الخلق، الفحش بألوانه، والسب، والشتم، واللعن، وما أشبه ذلك، فإن هذا كثير في النكت والطرائف المسطرة في الكتب، والمنقولة على الأفواه.