من فوائد النكتة، إذا كانت في حدود الاعتدال -أيضاً-: أنها قد تدفع غضباً، والغضب قد يودي برأس الإنسان، وقد يودي بماله، وقد يكون سبباً في السخط عليه، فربما غضب السلطان، أو غضب حاكم أو أمير، فأمر بقطع رأس هذا، أو سجن هذا، أو ضرب هذا، أو أخذ مال هذا، بسبب موقف غضب منه، فإذا كان الإنسان حاضر البديهة، سريع الذهن وقّاداً، فإنه سرعان ما يأتي بنكتة أو موقف معين، يزيل غضب هذا الإنسان، ويدفع عنه غائلته وشره وغضبه.
ومما يذكر في هذا الباب، ما ذكر ابن الجوزي في كتاب الأذكياء: [[أن عمر رضي الله عنه وأرضاه، بلغه أن أحد ولاته أو عماله الذين ولاهم على بعض الأمصار، وهو رجل من بني هاشم أو من غيرهم، يتغنى ببيت من الشعر ويقول: اسقني شربة ألذ عليها واسق بالله مثلها ابن هشام اسقني شربة ألذ عليها، ظاهر القصة أنها شربة خمر، فغضب عمر رضي الله عنه وقال: هاتوه لي، فجاءوا به -كالعادة أمير المؤمنين ليس عنده أنصاف حلول، إنما هو رجل لا تأخذه في الحق لومة لائم- فلمَّا جئ بهذا العامل قال: أتدري لِمَ أشخصتك إليَّ؟ قال: لا يا أمير المؤمنين، قال: سمعتك تقول: اسقني شربة ألذ عليها واسق بالله مثلها ابن هشام قال نعم يا أمير المؤمنين: عسلاً بارداً بماء سحاب إنني لا أحب شرب المدام فأتى على البديهة ببيت ثان في الحال، عسلاً بارداً، صارت الشربة عسلاً فالناس ظنوها خمراً وأنا أقصد العسل، يقول: عسلاً بارداً بماء سحاب إنني لا أحب شرب المدام قال: فعفى عنه عمر وردّه إلى عمله]] هكذا يقول ابن الجوزي، وفي نفسي شيء من هذه القصة؛ لأن الذي يعهد من سيرة أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، أنه كان قوياً في الحق، لا يقبل عنه تنازلاً بحال من الأحوال.
وأذكر قصة مغايرة لهذه: [[ولىَّ عمر رضي الله عنه أحد عماله، فجاءه رجل وقال: أتدري ماذا يقول فلان بن فلان؟ قال: لا، قال إنه يقول: ألا هل أتى سلمى بأن حليلها بنعمان يسقى في زجاج وحنتم أي خمر وليس له حقيقة، إنما يتغنى به.
إذا كنت ندماني فبالأكبر اسقني ولا تسقني بالأصغر المتثلم لعل أمير المؤمنين يسوءه تنادمنا بالجوسق المتهدم فلما سمع عمر رضي الله عنه هذا الكلام قال: نعم والله إنه ليسوؤني، ثم دعا هذا الرجل فقال: والله يا أمير المؤمنين ما شربتها قط، وإنما هو كلام كنت أقوله، فقال: والله ما وليت لي عملاً قط]] وجرده من مناصبه رضي الله عنه وأرضاه، فالذي يظهر لي أن الرواية التي ساقها ابن الجوزي، رواية عرجاء لا يصح سندها عن عمر رضي الله عنه.
على كل حال هناك قصص أخرى كثيرة تدل على التخلص من الغضب بالمزاح، أذكر بدلاً عنها: قصة رجل في عهد عبد الملك بن مروان، رجل خرج على عبد الله بن مروان وقاتله فقبض عليه، وكان مع مجموعة قاتلوه، فلما قُبض عليه أتى به عبد الملك ليقص رأسه، فقال: أتفعل بي هذا يا أمير المؤمنين وقد فعلت لك ما فعلت؟ قال له أمير المؤمنين عبد الملك بن مروان: وماذا فعلت لي؟ قال: والله ما خرجت مع هذا الأمير إلا من أجلك؛ لأنني رجل مشئوم لا أكون مع قوم إلا ويهزمون، فخرجت معهم حتى يهزموا!! فضحك عبد الملك بن مروان وعفا عنه.
وهذه القصة إن صحت مما يحمد للرجل؛ لأنها كانت سبباً في العفو عنه، وسبباً في سلامة عبد الملك بن مروان من دم هذا الرجل، الذي لو قتله لكان مسئولاً عنه لاشك يوم القيامة، فيم قتلت هذا؟! إن كان لا يستحق القتل، فقد يسلم الإنسان من موقف غضب بسبب نكتة كهذه.