النقطة الخامسة لماذا يحدث هذا؟ لماذا تزداد الأخطاء؟! ولماذا تتعقد المشكلات؟! ولماذا لا نجد لها حلاً؟! ثمة أسباب عديدة، أذكرها بسرعة كسباً للوقت: السبب الأول: الرضا والقناعة الموجودة لدينا رضينا بالواقع، لا ندرك مشكلاتنا بشكل صحيح, وننكر وجودها -أحياناً- ونرى أنه ليس في الإمكان أن أبدع أكثر مما كان, وكل أمورنا مبنية على الكمال والتمام, ليس لدينا إحساس بحجم الفارق بيننا وبين غيرنا, والبعض منا يرغبون في الركود وعدم التجديد بحال من الأحوال.
السبب الثاني: عدم إيماننا بوجود المصارحة والمناصحة فيما بيننا, وعدم الوضوح والصراحة والمكاشفة في تعاملنا مع واقعنا, وعدم مناقشة أمورنا ومشكلاتنا بصورة صحيحة، وذلك لأننا نرغب -أحياناً- -كما نظن- في عدم الإثارة, أو اتقاء الفتنة, أو المساس بالمكاسب، أو غير ذلك, وننسى أنه لا يمكن تجنب الإثارة، واتقاء الفتنة، والحفاظ على المكاسب، إلا من خلال منهج واضح صحيح للنقد والمعارضة والمكاشفة, يكون مبنياًَ على الحقوق المتبادلة بيننا جميعاً, بين الزوج وزوجته, وبين الوالد وولده, وبين المدرس والطالب, وبين الحاكم والمحكوم, وهكذا السبب الثالث: عدم تحديد المشكلات بدقة, -فأحياناً- نحن نعزل كل مشكلة على حدة، كما لو كانت مخلوقاً مستقلاً منفرداً، ونحاول أن نبين أسبابها، ونقترح الحلول لها، وندرس هذه الحلول، ونخلص إلى نتائج نهائية، دون أن نربط بين ذلك وغيره من الأمور.
السبب الرابع: عدم الثقة بالعلم, وعدم البحث العلمي، واعتماد الأساليب العملية في الوصول إلى تحديد المشكلة وأساليب حلها, وتسخير العلوم الممكنة لهذا الأمر.
السبب الخامس: ضيق الأفق لدى البعض, أو الركود والتعصب للمألوف والعادات, والانطلاق من بعض المسَلَّمَات والبديهيات الخاصة، التي ليس لها سند شرعي ولا عقلي, فالكثيرون يقولون لك: هذا الأمر لا يتجادل فيه اثنان, ولا ينتطح فيه عنزان! أو يقولون لك: هذا واضح وضوح الشمس في رابعة النهار, لمن أنار الله بصيرته, ولكن الواقع أن هذا الأمر ليس سوى أمر مألوف ومعروف, وهذا الضيق النفسي والعقلي الموجود لدى البعض يعميه ويصمه عن التقدم خطوة واحدة نحو التعرف على الأخطاء, وتعديل السلوك وحل القضايا والمشكلات.
السبب السادس: اعتقاد البعض أن مشكلاتنا تحل عن طريق الأساليب العقيمة, فمثلاً: الجدل والتراشق بالألفاظ، والتعصب، والتحيز الواضح لفكرة معينة, أو استيراد الحلول الجاهزة -أحياناً- أو ترك المشكلة اعتقاد أن الزمن كفيل بحلها, أو إلغاء الأسباب والنتائج, أو إلقاء المسئولية على الآخرين، وانتظار الحل منهم, أو التعامل مع المشكلات بالعواطف, كل ذلك قد يسكن الألم -أحياناً- ولكنه لا يوقف النزيف على المدى الطويل.
السبب السابع: هو عدم استصحاب النية الصالحة في نفع الناس, وبذل الوسع في التعامل مع القضايا والمشكلات, ونسيان الموضوعية في غمار التعصب, وعدم الإنصاف والتأني إلى غير ذلك من الصفات التي ينبغي أن يتميز بها كل باحث عن الحقيقة.