يقول الله عز وجل في القرآن الكريم: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلاهُ أَيْنَمَا يُوَجِّهْهُ لا يَأْتِ بِخَيْرٍ} [النحل:76] , هذا المثل الأول، هذا مثال لإنسان فقد الفاعلية, فما هو فعّال، إنسان سلبي أبكم لا يتكلم, لا يقدر على شيء، مشلول وهو كلٌّ على مولاه, أي أنه عبء على سيده, يحتاج أن يوفر له الطعام والشراب والكساء إلخ، ولا يأتي بخير، أينما يوجهه لا يأتِ بخير, مثل إنسان لا يفهم، ترسله يشتري لك بضاعة؛ يأتيك بأسوأ ما في السوق وبأغلى ثمن, المرة الثانية لا ترسله إلى هذا العمل, تطلب منه شيئاً آخر يفسده عليك, وهكذا , وفي الأخير تقول: لا نريد منه شيئاً نسلم منه، لا نريد منه خيراً، من خيره أن يكف شره عنا، هذا مثال لإنسان سلبي لا يقدم شيئاً.
يقابل ذلك كما قال تعالى: {هَلْ يَسْتَوِي هُوَ وَمَنْ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَهُوَ عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} [النحل:76] هذا الإنسان الإيجابي الفعال المؤثر، الذي هو في كل شيء أو مناسبة أو طلب، يقول أنا لها أنا لها، بقدر ما يستطيع يشارك، يحرص أن يكون شعاره دائما المشاركة, أي مشكلة تنزل، لا يقول: هذه لا تخصني, بل يشارك فيها بقدر ما يستطيع.
وهذه القضية قضية الإيجابية، أو كون الإنسان فعالاً، قضية ترجع في الأصل إلى جانب فطري، ولذلك الرسول صلى الله عليه وسلم لما سئل {من أكرم الناس؟ والحديث معروف في الصحيحين، قال: الكريم ابن الكريم, ثم قال: أكرم الناس أتقاهم, قالوا: ليس عن هذا نسألك, قال: فعن معادن العرب تسألوني، قالوا: نعم, قال صلى الله عليه وسلم: تجدون الناس معادن، خيارهم في الجاهلية؛ خيارهم في الإسلام إذا فقهوا} خذ مثالاً عمر بن الخطاب رضي الله عنه, عمر في الجاهلية كان رجلاً قوياً شديداً, فلما جاء الإسلام بقيت القوة والشدة، لكن بقيت في مجال آخر.
ومثلاً: الخوف غريزة عند الإنسان, فالإنسان في جاهليته يخاف من الناس, ويخاف من الموت, والمرض, ويخاف من العدو, ويخاف من الجن, والشياطين, لكن إذا اهتدى وآمن؛ فالخوف باقٍ عنده كغريزة, لكن توجه الخوف لجهة أخرى، فصار يخاف من الله عز وجل, ويخاف من عقاب الله بذنوبه, وما أشبه ذلك, ولا يخاف مما سبق, كذلك قوة عمر رضي الله عنه في الجاهلية، صرفت في الإسلام إلى مجالها الطبيعي الصحيح، وخذ مثل ذلك خالد بن الوليد كان شجاعاً.
وحين تنتقل إلى المجتمع تجد نفس الكلام, المجتمع العربي اختاره الله اختياراً ليكون هو الذي يحمل رسالة الإسلام إلى الناس, لخصائص علمها الله في هذا الشعب كانت تميزه عن غيره, ولذلك فالله عز وجل رد على صنفين من الناس, رد على اليهود الذين كانوا ينتظرون النبوة فيهم, فلما جاءت النبوة في العرب رفضوها وردوها, فالله تعالى رد عليهم وبين أنه أعلم حيث يجعل رسالته، ورد أيضا على العرب الذي انتقدوا بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم بالذات، حيث قال تعالى: {وَقَالُوا لَوْلا نزِّلَ هَذَا الْقُرْآنُ عَلَى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ} [الزخرف:31] كانوا يعتقدون أن يكون المبعوث رجلاً آخر غير الرسول صلى الله عليه وسلم, لأن مقاييسهم مادية، فرد الله على هؤلاء, وهؤلاء وهذه المواصفات الفردية الإنسانية في الفرد وفي المجتمع، الله تبارك أعلم بها والله تعالى أعلم حيث يجعل رسالته.