مصائب الأمة بفعل البشر

نحن نعلم جميعاً أن الجزاء الأخروي حق, وهناك في الآخرة جنة ونار, وهذا من أصول العقيدة الإسلامية، كذلك يجب أن نعلم أن الجزاء الدنيوي واقع أيضاً.

صحيح أن الدنيا ليست دار جزاء, ولكن الله جعل في هذه الدنيا نواميس وسنناً تجري على العدل والاستقامة, فكل ما يصيب الأمم دعك من الأفراد، مثلاً: كون فلان أصابه مرض، أو حادث سيارة، أو كان عنده مؤسسة وفشلت فاترك هذه جانباً.

دعنا نتكلم في المصائب العامة: فمثلاً: أمة من الأمم أصابها جدب وقحط, وهلكت الأموال والزروع والمواشي, أو أصابها فقر شديد, أو أصابتها هزائم عسكرية أو سياسية أو هزائم اقتصادية, أو نكبات عامة, فالقرآن الكريم صريح في أن هذا بفعل البشر، بسبب فعل الناس، قال تعالى: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} [الروم:41] وقال تعالى: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى:30] .

ولما جاءت معركة أحد وانهزم المسلمون, وكانوا يتصورون أنه ما دام ألهم المسلمون وقائدهم محمد صلى الله عليه وسلم ويقابلون جيشاً مشركاً يعبد اللات والعزى ومناة الثالثة الأخرى, كانوا يعتقدون أنَّ النصر لهم حتماً, فأصابتهم المصيبة وقتل منهم من قتل, وجرح من جرح, حتى رسول الله صلى الله عليه وسلم دخلت حلق المغفر في وجنتيه, وشج رأسه, وكسرت رباعيته, وسقط صلى الله عليه وسلم في بعض الحفر التي حفرها أبو عامر الفاسق -الذي كان يسمى بـ الراهب - حتى أشيع أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد قتل, فهنا دهش المسلمون وتلفتوا يقولون: أنّى هذا؟! كيف يحصل هذا؟! فجاءهم الجواب بياناً مفصلاً في سورة آل عمران، قال تعالى: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ} [آل عمران:165] إذاً كما أن الجزاء الأخروي حق, فكذلك الجزاء الدنيوي حق, قال الله تعالى: {وَمَكَرُوا مَكْراً وَمَكَرْنَا مَكْراً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ * فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنَّا دَمَّرْنَاهُمْ وَقَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ} [النمل:50-51] .

فالمصائب في الدنيا -المصائب العامة- بسبب الذنوب, والسعة في الرزق والمال والأهل والمتاع الطيب هو أيضاً بسبب الطاعات, هذه هي القاعدة العامة وكل قاعدة لها استثناءات, البشر قد لا يستطيعون أن يطبقوا القاعدة في كل ظرف وفي كل حال, لكن هذه القاعدة ربانية قرآنية لا كلام فيها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015