ومن القواعد: ألا تنتظر في أول الأمر ربحاً عاجلاً، بل لا تنظر إلى جانب الربح، بقدر ما تنظر إلى الجانب التربوي، والجانب التوجيهي، ليس على نطاقك كفرد، فقد يقول أنا فردٌ لا أقدم ولا أؤخر، لكن على نطاق المجتمع، أو على الأقل نطاق الشباب؛ وشباب الصحوة، فلو نظرت إلى هذا الأمر، لوجدت أنه يحدث عندهم أمراً، ليس باليسير، نعم عندما كان المسلمون يشيدون مسجدهم في المدينة المنورة، ويحملون الِلبَن، ويقولون: لا يستوي من يعمر المساجدَا ومن يبيت راكعاً وساجدا يدأب فيها راكعاً وساجدا ومن يكر هكذا معاندا وقائماً طوراً وطوراً قاعدا ومن يرى عن الغبار حائدا وقال الشاعر: اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة فارحم الأنصار والمهاجرة يحملون اللبن على أكتافهم، وهم ينشدون هذه الأنا شيد، والرسول صلى الله عليه وسلم بينهم، يقول مالك بن نبي -رحمة الله عليه-: [[لو نظرت إلى تلك الرقعة؛ رقعة المسجد ببساطتها وقلة شأنها، لربما ابتسمت]] ؛ لكن أليس هنالك تلقى بُنَّاءُ الحضارةِ دروسَ الجِد والعمل! نعم أولئك الذين كانوا يبنون المسجد بالأمس، تلقوا دروس العمل والجد، إنهم قومٌ عمليون، لا مكان عندهم للقيل والقال، بل دأبهم، وهمهم، وشأنهم العمل الصالح الذي يرضي الله عز وجل، ويقيم الحياة الدنيا على أساسٍ من الدين والشريعة الربانية، ولذلك كان بناةُ المسجد، هم بناةُ الحضارة في كل مكان، وهم قادة الإنسانية، تحولوا من رعاة غنم إلى قادة أمم.
وأنت تلحظ على سبيل المثال، جانب التقليد من الأبناء للآباء، فالآن الابن الذي يجد أن والده لا يعدو أن يكون موظفاً لا غير، ترسخ في ذهنه أن يكون هو كأبيه فلو سألته ماذا تحب أن تكون، قال: أكون كوالدي.
وأيضاً، قد تجدٌ اثنين يخرجان من بلدٍ واحدٍ، وبمواهب متقاربة، إلى بلد آخر غريب، فأحدهما يتحول في سنة إلى تاجر، يدير الصفقات الكبرى، ويشارك فيها، أما الآخر فيتحول إلى عامل يبحث عن قوت يومه.
وما هو الفرق؟ ليس هناك فرقٌ إلا التربية، وما ورثوه عن آبائهم وأجدادهم.