التربية على التطلع إلى الدار الآخرة

المعنى الثاني من معاني الصيام: أنه يربى العبد على التطلع إلى الدار الآخرة، وذلك لأن الناس موازينهم دنيوية في الغالب، فإذا أراد الإنسان -مثلاً- أن يشتري صفقة أو يبيع؛ فإنه يجري عملية حسابية لينظر هل هذه الصفقة رابحة أو خاسرة، وبناءً على ذلك يتصرف على حسب ما تصل إليه حساباته، فهم يقيسون بالأمور الدنيوية البحتة؛ لكن المؤمن عنده مقياس آخر وهو أنه يدرك أن هناك داراً آخرة فيها حساب، ولذلك قد يتخلى عن بعض الأشياء الدنيوية تطلعاً إلى ما عند الله.

فمثلاً: بمقياس الماديين فإن الأكل يقوي الجسم، وفيه تحصيل للذة، والشبع، والسعادة، والشرب كذلك، وإتيان النساء كذلك، لكن المؤمن عنده مقياس آخر: أن هذه الأشياء وإن كانت تحقق بعض ما ذكر، إلا أن هناك مقياساً آخر وهو مقياس الآخرة.

فإذاً من الممكن أن يترك المؤمن -مثلاً- الأكل لأنه ينتظر أن يجازى على هذا الترك في الآخرة وليس في الدنيا، ويترك الشرب لذلك ويترك المحرمات لذلك، فيتربى في قلبه الإيمان بالدار الآخرة، التي هي في الحقيقة دار الجزاء والحساب.

أما ما يلقاه المؤمن في هذه الدنيا من النعيم بسبب الطاعة، فإنما هو عربونٌ فقط، فما تجده -مثلاً- من أثر الصوم في الدنيا، من الصحة والسعادة، والفرح، … إلى آخره، إنما هو عربون، والجزاء الحقيقي والثمن الحقيقي لهذا العمل إنما تجده في الدار الآخرة، فيربي الصوم الإنسان على التطلع إلى الدار الآخرة التي فيها الجزاء الحقيقي، وفيها نهاية المطاف، وليست نهاية المطاف في هذه الدار الدنيا.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015