فرصة لإقامة أنواع من العبوديات لله سبحانه

إن التجارة فرصة لإقامة أنواع من العبوديات لله عز وجل، لا تتم إلا بذلك، فلو نظرت على المستوى الفردي، إلى صلة الرحم، أو بر الوالدين، أو الإنفاق في سبيل الخير، أو اصطناع المعروف، أو الإحسان إلى الناس، أو تيسير الأسباب لهم، أو إنظار المعسر والتجاوز عنه، لوجدت ذلك كله مما لا يفعله إلا الأغنياء، ولهذا قال الصحابة: رضي الله عنهم: [[ذهب أهل الدثور بالأجور]] وفي رواية قالوا: [[ذهب أهل الدثور بالدرجات العُلا والنعيم المقيم]] والحديث معروفٌ، هذا على المستوى الفردي؛ لكن لو نظرنا إلى الحياة كلها، وإلى مستوى المجتمع، لوجدنا أن مثل ذلك العمل يحقق للمجتمع عبودياتٍ أخرى كثيرة، مثل الالتزام بالشرع في المأكل، والملبس، والمشرب، والمركب، وغير ذلك.

فلو أن المسلمين مستقلون بصناعتهم، وبزراعتهم، وبتجارتهم، وببنوكهم، وباقتصادهم، لاستطاعوا أن يجعلوا هذه الأشياء كلها تحقق جانباً من العبودية لله، بترك الربا مثلاً، والحرام، وبترك أكلِ كل ما لا يوافق الشرع، مثل الأطعمة المجلوبة من بلادٍ كافرة، أو من بلادٍ شيوعيةٍ مثلاٍ، أو الملابس التي تكون كاشفةً للمرأة، أو الملابس التي تربي الأطفال على خلاف ما يرضي الله عز وجل، ومثل ذلك أنواع أخرى من أمور الحياة التي يرتفق فيها الجميع، فضلاً عن إيجاد الأمن للمجتمع، والاكتفاء الذاتي، الذي يجعل المسلم، مستقلاً بذاته غير محتاجٍ إلى الكفار في أموره اليومية، خاصةً ونحن نرى الكفار اليوم يستخدمون ما يسمى بمبدأ الحصار الاقتصادي على المسلمين، كما فعلوه على المسلمين في العراق، وكما يفعلونه الآن بالمسلمين في ليبيا، ويفعلونه بالمسلمين في السودان، ويفعلونه بالمسلمين في البوسنة، وغير ذلك.

لو أن المسلمين كانوا مستقلين باقتصادهم، وبصناعتهم، حتى بصناعة السلاح لما أبهوا بالكفار، بل لكان الكفار هم الذين يذعنون وينصاعون لنا، لأن عندنا البترول، ولو قطعناه عنهم لتوقفت مصانعهم، وأسواقهم، ومعاملهم، وتجارتهم، خلال مدةٍ وجيزة.

إن مثل هذا النوع من العمل، هو وقاية وحماية من الغزو الأجنبي، الذي يستخدم كل وسيلةٍ لترويج الفساد، والانحلال، وتضليل المسلمين عن دينهم، وكمثال صغير، أنت لا تكاد تجد بضاعةً اليوم إلا وفيها نجمة سداسية، وهي شعار اليهود، وقد أتاني عددٌ من الاخوة بملابس من هذا البلد، وأتوني بحقائب نسائية، وأحذية، وأشياءَ كثيرة، فيها نجمةٌ سداسية، أو يكون فيها صليبٌ وهو شعار النصارى، أو يكون فيها صورةُ فتاةٍِ عارية، أو شبه عارية، أو يكون فيها علاقةً بين صديقين، رجلٌ وامرأة، أو يكون فيها كلماتٌ بذيئة، حتى لعب الأطفال ضبطوها بحيث تُربي الطفل والطفلة على الاختلاط، وعلى حب النصارى، والتعلق بهم، وعلى بعض العادات والطقوس والتقاليد النصرانية أو اليهودية، فلم يتركوا شيئاً دقَّ أو جلَّ إلا وتسللوا من خلاله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015