السلف الصالح والتجارة

بل قد كان المهاجرون والأنصار، يعملون في الزراعة، أوفي التجارة أو في الحطب، أو في الاستيراد، أو في غير ذلك، وكلهم كانوا مثل عبد الرحمن بن عوف، حتى نتج عن ذلك نشاطٌ اقتصاديٌ واسعُ النطاق، وكان الأنباط يتبادلون السلع والبضائع مع المدينة، كما هو معروفٌ في قصة كعب بن مالك وهي في الصحيحين، في قصة النبطي الذي كان يسأل عن كعب بن مالك.

ولهذا كان أهل العلم، والجهاد، والدين، يتواصون بالعمل في التجارة، لا أقول أهل الدنيا، ولا أقول أهل المال، ولا أقول أهل السلطة، وإنما أقول أهل العلم، والدعوة، والجهاد، كانوا يتواصون بذلك.

وهذا أبو قلابة رضي الله عنه يوصي أيوب السختياني، فيقول له: الزم السوق، فإن الغنى من العافية، وهذا الأثر رواه عبد الرزاق، وابن أبي شيبة والبيهقي وغيرهم وسنده صحيح.

وهذا إسحاق بن يسار يمر بالبزازين الذين يبيعون الثياب، فيقول لهم: يا معشر البزازين! الزموا تجارتكم.

هل تراه وقف عليهم ليقول لهم: القوا ما أنتم فيه، واتركوا ذلك، واذهبوا إلى الكهوف والمغارات لتعتزلوا فيها؟! كلا بل يقول: يا معشر البزازين، الزموا تجارتكم فإن أباكم إبراهيم عليه السلام كان بزازاً، أي: يبيع الثياب، وهذا الأثر رواه أبو نعيم وسنده جيد.

وشعبة رضي الله عنه وهو من أتباع التابعين، يقول لتلاميذه يربيهم على العلم، وعلى العبادة، وعلى الخير والجهاد، ومن ضمن كمال التربية أنه يعطيهم تعليماتٍ صريحة يقول لهم: الزموا السوق، وهذا الأثر مروي في الجعديات، وسنده صحيح.

وقال رجلٌ للإمام أحمد بن حنبل -رحمه الله-: إني رجل غني، وذو كفاية، فماذا ترى لي؟ قال له الإمام أحمد: الزم السوق، تصلُ به الرحم، وتعودُ به على عيالك، وهذا الأثر رواه الخلال وابن الجوزي، رحمه الله تعالى.

أما سفيان الثوري -رحمه الله- فيقول لك: عليك بعمل الأبطال.

ونحن نعرف أن الأبطال يخوضون المعارك، وأن الأبطال يقولون كلمة الحق، ونعرف أنهم يموتون في سبيل الله؛ ولكن سفيان يقدم لك تعريفاً جديداً للأبطال، وهو صحيحٌ أيضاً.

(عليك بعمل الأبطال، الكسب من الحلال، والإنفاق على العيال) .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015