أما إن أراد نفعهم بماله أو علمه أو عقله أو جاهه فإنه يستطيع ذلك, وتتوسع له الآفاق وتفتح له المجالات, فالجاهل الذي علَّمته، تسبب في آخرين دلّهم عليك، فأتوا إليك وسألوك واستفادوا من علمك وأعجبوا من حسن تعليمك, والفقير الذي ساعدته تسبب في فقراء آخرين جاءوا إليك فبذلت لهم كما بذلت لغيرهم, وطالب الشفاعة وطالب المشورة وطالب الفتوى وطالب التزكية وهكذا يمتلئ عمرك بجلائل الأعمال، وما عليك أن يجعلك الله تعالى مفتاحاً للخير وأن تقتدي في ذلك النبي صلى الله عليه وسلم: {وَجَعَلَنِي مُبَارَكاً أَيْنَ مَا كُنْتُ} [مريم:31] .
ولا تظن أن الوقت يضيق أو أن الهمة تفتر أو أن النفس تتبرم: {فإنما المعونة على قدر المئونة} كما قال النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح, فمن تصدَّى للأعمال وجعل نفسه لها وبذل ما يستطيع فإن الله تعالى يمده بمدد من عنده، ويرزقه من الصبر والحلم والتعلم الشيء الكثير الذي لم يكن يستطيعه قبل ذلك, وليست هي معجزة لا تقبل التكرار أن ترى رجلاً في واقع الحياة امتدت أعماله إلى وجوه الخير كلها, وامتدت روافده وجداوله إلى كل ميدان فله في كل بضاعة سهم, إن جهاداً أو علماً أو دعوة أو أموراً دينية أو أموراً دنيوية أو غير ذلك.
وعماد ذلك كله الخلق الطيب من طلاقة الوجه، وبسطة الكف، وعفة اللسان، وسلامة القلب، فهي جماع الخير كله: {إنكم لن تسعوا الناس بأموالكم فليسعهم منكم بسطة الوجه وحسن الخلق} والحديث هذا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم رواه الحاكم وصححه والبيهقي عن أبي هريرة وفيه ضعف، وقد جاء من وجه آخر عن عائشة رضي الله عنها، وجود إسناد الحديث الإمام المنذري رحمه الله تعالى.