المسارعة في الافتاء بغير علم

الصورة الأولى: هي تسارع كثيرٍ من الناس، ممن قد يملكون جودة العبارة، ولكنهم لا يملكون العلم الشرعي الصحيح، على الهجوم والخوض في أمور الشريعة، دون تبصرٍ ولا روية، ودون أن يملكوا القدرة الكافية على ذلك، وقد يحتج بعض هؤلاء، بل كثير من الجهلة، يقول لك: يا أخي! الإسلام ليس فيه رجال دين ولا فيه كهنوت، وإنما هذا في النصرانية، فنقول: نعم ليس في الإسلام طبقة معينة اسمها رجال الدين، أو طبقة من الكهنوت، هي التي تملك وحدها حق تفسير الكتاب المقدس.

بل كل إنسان يملك ولكن بعد أن يستوفي الشروط، أي أن الطريق مفتوح، وليس مقصوراً على فئة معينة، لكن ليس معنى كونه مفتوحاً أنه كلأ مباح لكل أحد، ليس في الإسلام رجال دين أو كهنوت، ولكن في الإسلام علماء، يرجع إليهم في معرفة نصوص الكتاب والسنة ودلالاتها ومعانيها، والغريب أن الناس أيضاً يدركون هذا جيداً فيما يتعلق بمجالاتهم الدنيوية، فمثلاً المكتبات الآن تغص بألوان الكتب الطبية، وقد أصبحت الدوريات والنشرات والمجلات الطبية بالآلاف، بل ربما بعشرات الآلاف في أنحاء العالم، وهناك مراكز متخصصة في إعداد البحوث وطباعتها وتوزيعها، بحيث إن الطبيب المهتم يتابع أولاً بأول كل ما جَدَّ في عالم الطب، فهذه الكتب والمجلدات الهائلة، والمزودة بالصور والتقارير والأرقام والإحصائيات، والتي تتجدد يوماً بعد يوم، وتوافي المختصين أولاً بأول، هل أغنت الناس عن الذهاب إلى الأطباء؟ كلا، أم هل أغنت الناس عن فتح المستشفيات والمستوصفات والمراكز الصحية والوحدات الطبية ومراكز الأبحاث؟! كلا، بل لا يزال الناس يشعرون يوماً بعد يوم بمسيس الحاجة إلى مثل هذه المراكز والمستشفيات والوحدات؛ لأن هذه الأوراق وحدها لا تكفي ولا يستفيد منها أصلاً إلا الطبيب المختص.

أما عامة الناس ففائدتهم منها محدودة إلى حدٍ بعيد، قد يملكون فيها نوعاً من الثقافة التي تمكنهم من مناقشة الدكتور مثلاً، لكن أن يملكوا قدراً يمكنهم من كتابة الوصفات، ومعالجة الأمراض، فلا يكون هذا أبداً، وإلا لما كنا بحاجة إلى كليات الطب، ودراسات طويلة عريضة، ومراكز متخصصة وجهود ضخمة.

فكيف نتصور مثلاً أن وجود النصوص الشرعية في الكتب، سواء في القرآن أم في السنة، أك في كتب أهل العلم، أنه كافٍ للناس، وأنه من حق أي إنسان مسلم أن يتكلم في أي مسألة تخطر له، بمجرد أن يقف على نص يظن أنه يتعلق بهذه المسألة التي أشكلت عليه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015