إن الله تعالى يقول في موضعين من كتابه: {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل:43] وأهل الذكر هم أهل العلم بالشيء، فالشرع يجعل التعرف على المسألة، من قبل أهل الاختصاص فيها، فإن كانت المسألة طبية فتسأل الأطباء فيها، وإن كانت المسألة لغوية تسأل فيها أهل اللغة، وإن كانت المسألة شرعية تسأل فيها أهل الشريعة، فهؤلاء هم أهل الذكر الذين قال الله تعالى عنهم: {فَاسْأَلوا أَهْلَ الذِّكْرِ} [النحل:43] وليس غيرهم، فلا تسأل الطبيب عن مسألة شرعية، كما لا تسأل الفقيه عن مسألة طبية بحتة، ولا تسأل الأديب أو الشاعر أو الصحفي عن ما ليس من اختصاصه من الشرعيات، مع احترامنا للأديب والشاعر والصحفي، وتقديرنا للدور الذي يؤديه في خدمة المجتمع وحماية الأخلاق وتأديب النفوس، متى كان على مستوى هذه الوظيفة التي يقوم بها والحمد لله والذين هم على مستوى هذه الوظيفة كثير، وفيهم خير كثير.
وكذلك الرسول صلى الله عليه وسلم عاتب أصحابه في حديث صاحب الشجة، وهو رجل من الصحابة ذهب في غزوة فأصيب بشجة في رأسه، فأصابته جنابة، وأراد أن يسأل أصحابه ماذا يفعل، فأمروه بأن يغتسل، كما جاء في حديث من طرق، وقد حسنه بعض أهل العلم، والحديث في أبي داود وغيره، فاغتسل فمات من أثر الجرح، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: {قتلوه قتلهم الله ألا سألوا إذ لم يعلموا؟ فإنما شفاء العي السؤال} فالعاجز العيي الذي ليس عنده علم شفاؤه أن يسأل، فكان حق هؤلاء أن يسألوا إذ لم يعلموا، فأرشد النبي صلى الله عليه وسلم من لا يعلم إلى أن يسأل من يعلم، وكذلك في قصة العسيف، الذي كان عنده رجل فزنى بامرأته، وذهب أبو العسيف هذا يسأل الناس، وسأل أهل العلم فأخبروه، وجاء للنبي صلى الله عليه وسلم وقال: يا رسول الله! إني سألت أهل العلم فأخبروني أن على ابني جلد مائة وتغريب عام، وأقره النبي صلى الله عليه وسلم على ذلك.
فدل على أن الطريق الصحيح لجماهير الناس في معرفة الحلال والحرام هو أن يسألوا أهل العلم، وحين نقول تسأل أهل العلم فلا يعني هذا أنك قد أغمضت عينيك، فتعتقد وأنت أعمى، بل إذا كان عندك إمكانية وكنت إنساناً مثقفاً ولك قراءة، فإذا أفتى لك العالم بشيء، فناقشه فيما أفتاك، واعرض عليه قولا آخر سمعته، واسأله عن الدليل الذي احتج به، فلا مانع من هذا كله، لكن المهم أن تكون الفتيا، والكلام في المسائل الشرعية مضبوطاً محمياً محفوظاً، لا يملك أي إنسان أن يتكلم فيه دون قيد ولا شرط، ودون حسيب ولا رقيب.
فهذه صورة وهي صورة جراءة بعض الناس على الكلام في الشرعيات، من الإفتاء وغيرها، دون أن يتأهلوا لذلك، أو يملكوا العلم الذي يرشحهم لمثل هذا المنصب، والناس لا غنى لهم عن المفتين المتخصصين، الذين طالت دربتهم ومرانهم وممارستهم للكتب وللناس.