سقوط الشيوعية

المثال السادس: ولعله يبدو غريباً بعض الشيء، سقوط الشيوعية في الاتحاد السوفيتي، يقول بعضهم ويتساءلون: ربما كان بقاء ذلك الاتحاد على الرغم -مما فيه- ضماناً للأمن في تلك الديار، وحفظاً للنظام العام، وسلامةً من الحروب المدمرة، وكلما حصلت مصيبةٌ من هذا القبيل، وانهدت مثل هذه الدولة العظيمة أو الإمبراطورية الواسعة؛ انتشرت الزعازع، واتسعت الحروب الأهلية، ودامت المصادمات بين الدول، بل وُجد ما يشبه التحضير لمعارك -طويلة الأجل- وطويلةَ المدى، وربما كانت في نظر بعضهم منطلقاً لشرارةٍ حربٍ واسعة النطاق، خاصةً مع ظهور نشاط ما يسمونهم هناك بالقوميين.

فهل صحيح أن سقوط الشيوعية لم يكن خيراً؟ لقد نسي هؤلاء أن الشيوعية أغلقت جميع الطرق في وجه الإسلام، جميع الطرق بلا استثناء، وأن الإسلام رابحٌ من سقوط الشيوعية بكل حال، لأنه لا يتصور للإسلام والمسلمين في روسيا، -بل ولا في البلاد التي تهيمن عليها- وضعٌ أسوء من الوضع الذي كان الإسلام والمسلمين فيه أيام الشيوعية، فكل وضعٍ بعده فهو خيرٌ منه، وأهون منه، وكل مصيبةٍ بعده فهي جلل أي: هينة، ففي ظل دكتاتورية الشيوعية وهيمنتها؛ فقد المسلمون كل شيء، فأي تغيير هو -والله تعالى أعلم- في صالح الإسلام، ثم هب أن حرباً واسعة النطاق شبت، ودخلت فيها أطراف دولية كما يقال، ألا تدري أن الإسلام هو أقل المتضررين من حرب كهذه، لأنه أيضاً هو أقل المنتفعين بإنجازات الحضارة المادية المعاصرة! وإذا لحق بالعدو ضررٌ جسيم عظيم؛ ولحق بي وبك ضرر قليل؛ فربما كانت النتيجة لمصلحتي ولمصلحتك، وليس الأمر كما يتوقع بعض الدارسين، أن سقوط الحضارة المادية الذي نتمناه ونبشر به، وننتظره وعداً من رب العالمين، ليس معنى ذلك التدمير الكامل للحضارة، والقضاء على كل التيسيرات المادية وكل الخدمات التي انتفع بها الإنسان، هذا ليس بلازم، ولكن الصورة المتوقعة -والله تعالى أعلم- هي أن تنكفئ تلك الدول الكبرى على نفسها، وتنشغل بهمومها وتنهمك بمعالجة اقتصادها أو أمنها، أو مشاكلها الداخلية عن التدخل الخارجي، وعن التدخل في بلاد الإسلام والمسلمين بالذات، هذا مع أن الأدلة القريبة والقرائن كلها، توحي -والله أعلم- بأن الحرب الأهم والأقوى سوف تكون حرباً اقتصادية.

- انهيار الاقتصاد الأمريكي: إذا كان الاقتصاد هو أحد الأسباب المهمة التي عجلت بسقوط الاتحاد السوفيتي، فإن الدراسات الاقتصادية المتخصصة تبشر بانهيار الاقتصاد الأمريكي أيضاً، حيث بلغت مديونيته الآن ما يزيد على ثلاثة ونصف تريليون، وهذا رقم فلكي كبير، وتقول الدراسات إن من المتوقع أن تقفز هذه المديونية في نهاية القرن إلى ما يزيد على اثني عشر تريليوناً، وسيضطر الأمريكان إلى أحد ثلاثة حلول: الحل الأول: هو أن يعلنوا عجزهم وإفلاسهم، وهذا لن يتسبب في انهيار الاقتصاد الأمريكي فحسب، بل سيتسبب في انهيار الاقتصاد الأمريكي، وانهيار اقتصاد جميع الدول التي ربطت نفسها بأمريكا، وبالاقتصاد الأمريكي، وبعملة الدولار.

الحل الثاني: هو أن يعالجوا الوقف؛ بطبع المزيد من الورق النقدي دون رصيد يغطيه، وذلك لتغطية العجز الحاصل، وهذا قد يؤخر علمية الانهيار؛ فبدلاً من أن تأتي بسرعة، فإنها تأتي بصورةٍ تدريجية.

الحل الثالث: هو التدخل في المناطق الغنية من العالم كأوروبا، ودول النفط الخليجية، وإيران، وبعض المناطق الإفريقية التي تدل التقارير على وجود النفط فيها، وتحذر تلك التقارير -وهي تقارير مهمةٌ وخطيرة- تحذر من الارتباط بالاقتصاد الأمريكي، كما هو الحاصل في الدول العربية الغنية، ومغبة ذلك على اقتصاد البلاد.

إذاً: من الصعب ونحن نتحدث عن التجربة الشيوعية، وأنَّ سقوطها كان خيراً، بالرغم مما ولده ذلك من وجود حروب، ومشاكل بين الدول المتجاورة، واحتمال أن يحدث انفجارات متعددة وطويلة، على رغم ذلك كله فلا شك أن سقوط الشيوعية كان خيراً للإسلام، وكان خيراً للمسلمين، وقد تنفس المسلمون الصعداء على الرغم -أيضاً- أن ثمة مشاكل واجهوها -كما أسلفت- ففي طاجكستان قتل منهم قبل أيام ما يزيد على خمسة عشر ألف إنسان وجرى نهر جيحون لساعات دماً أحمر من دماء المسلمين، وفي الأنقوش حيث دفن منهم ما يزيد على ثلاثة آلاف من الكبار والصغار والنساء والأطفال، وفي أذربيجان وفي غيرها؛ لكن مع ذلك كله، فهذا الوضع بكله وبتناقضاته، وبسلبياته هو أفضل عشرات المرات من الوضع الذي كان يعيشه المسلمون في ظل جحيم الشيوعية في دائرة الستار الحديدي.

إذاً: فمن الصعب أن يحكم الإنسان على تجربة ما من خلال النظر إلى فترة محدودة من الزمان ولا بد أن يستكمل الصورة من أولها إلى آخرها.

إن استتاب الأوضاع واستقرارها في روسيا، أو في غيرها ليس هو المطلب الوحيد للإسلام، لا!.

المطلوب أن تستتب الأوضاع في ظل نظام يحكم بالإسلام، أو على أقل تقدير أن تستتب الأوضاع في ظل نظامٍ يكون أفضل للإسلام مما عداه، وأي خير أصاب الإسلام والمسلمين من قوة القبضة البعثية في بلاد الإسلام المرتبطة بالشرق أو قوة القبضة العلمانية في البلاد الإسلامية المرتبطة بالغرب، سواى استخدام الآلة العسكرية، والآلة الأمنية والآلة الإعلامية في محاربة الإسلام والمسلمين.

أيها الأحبة: إن الكثير من العقلاء يتطلعون إلى الإصلاح بألوانه، فيتطلعون إلى الإصلاح العلمي والتعليمي؛ ولكن لا قدرة لهم على تحمل الرد، والنقد والمناقشة والتخطئة، والكثيرون يتطلعون إلى الإصلاح الاجتماعي؛ ولكن لا قدرة لهم على تحمل قالة الناس، ونقد المجتمع، واستنكار القوم، والكثيرون يتطلعون إلى الإصلاح الدعوي، لكن لا قدرة لهم على الجهر بذلك، وتحمل تبعاته، والكثيرون يتطلعون إلى الإصلاح السياسي، ولكن لا قدرة لهم على تحمل الآلام والمتاعب التي سيلقونها، والكثيرون يتطلعون إلى الإصلاح الاقتصادي، والإداري وغير ذلك؛ ولكن أين المستعدون لتحمل التبعات؟ إنهم قليلون! إن المستعدين للصبر على التضحيات وتحمل الآلام أقل من القليل وأقل منهم -أيضاً- أولئك المستعدون لتحمل مسئولية الخطأ -إذا تبين أنه خطأ- وليس بد من أن يقع الخطأ مع الاجتهاد، ومع بذل الوسع والطاقة فإن الإنسان بشر {وكل ابن آدم خطاء وخير الخطائين التوابون} كما نطق الصادق المصدوق صلى الله عليه وسلم وكما قال تعالى: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت:35] .

إذاً: فمقياس الربح والخسارة، ليس وجود ردة الفعل، أو الاستجابة العكسية، بل على قدر أهمية العمل وجديته وفاعليته وقوته وتأثيره تكون عداوته، والصراع أمرٌ فطري لابد منه، فإن كان ثمة حيلة في تأجيل الصراع، أو في تقصيد الصراع، فإنه لا حيلة أبداً في دفعه والله تعالى وحده هو المستعان.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015