كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم إذا لقي بعضهم بعضاً قالوا: اجلس بنا نؤمن ساعة، ثم قرأ أحدهم على الآخر سورة العصر، ثم انصرفوا وقد تجدد إيمانهم وتعمق يقينهم، وصحت عزائمهم، وعادوا إلى حياتهم الإيمانية من جديد.
قال الإمام الشافعي رحمه الله تعالى كلاماً معناه: لو تدبر الناس هذه السورة لكفتهم، وفي لفظ: (لو ما أنزل الله حجة على خلقه إلا هذه السورة لوسعتهم) ولمَ كان أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم يختارون هذه السورة بالذات على غيرها؟ ولمَ قال الشافعي في هذه السورة ما قال؟ إن السر واضح في معنى هذه الآية؛ فهي حكم إلهي رباني قاطع، أقسم الله تعالى عليه بالعصر؛ وهو الزمان، الذي هو سر الوجود وسر الحياة، والله تعالى يقسم بما شاء، وإنما يقسم على الأمور العظام الجليلة، تنويهاً لمكانتها وأهميتها.
أقسم سبحانه على أن جنس الإنسان في خسر، ولو كان غنياً، ولو كان صحيحاً، ولو كان سيداً، ولو كان شريفاً، ولو كان حاكماً، ولو كان ما كان، هو في خسرٍ، وهذا هو الأصل في بني آدم إلا من استثني قال تعالى: {إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ} [العصر:3] فأنت تلحظ أن هذه الأمور الأربعة يدخل بعضها في بعض.