الداعية المعذب المحاصر

وذلك المصلح أو الداعية الذي رضي بحياة الشظف والعناء والتضييق، ورضي بالحصار الإعلامي على صوته، وعلى كلمته وعلى دعوته، والحصار الاقتصادي، قال تعالى: {لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا} [المنافقون:7] والحصار الوظيفي، الذي يشترط -في كثيرٍ من البلاد- على الموظف أن يعلن الولاء ليس لله ورسوله والمؤمنين، بل أن يعلن الولاء للأنظمة العلمانية والدعوات اللادينية.

هذا الداعية الذي ترك ذلك كله، وترك زخرف الدنيا، ورضي عنه بما عند الله تعالى، واستبدل بذلك ما يدخره ليوم الحساب، ولسان حاله يقول: خذوا كل دنياكمُ واتركوا فؤادي حراً طليقاً غريبا فإني أعظمكم ثروة وإن خلتموني وحيداً سليباً بل ربما رضي بحياة السجن، وسلب حريته؛ ليس حريته فقط بالحديث والكلام؛ بل ولا حريته في الاجتماع مع الناس فقط، بل ربما قيدت خطواته في بضعة أمتار يذرعها جيئةً وذهاباً، وربما هو أقل من ذلك، وحيل بينه وبين الناس، لا يأخذ منهم، ولا يعطيهم، ولا يملك دعوتهم، ولا تكاد تسمع أذنه إلا وقع الأقدام، ورنين السلاسل والصمت يقطعه رنين سلاسلٍ عبثت بهن أصابع السجان من كوةٍ في الباب يرقب صيده ويعود في أمن إلى الدوران أنا لا أحس بأي حقد نحوه ماذا جنى فتمسه أضغاني فلربما وهو المروع سحنةً لو كان مثلي شاعراً لرثاني أو عاد من يدري إلى أولاده يوماً تذكر صورتي فبكاني لكنه إن نام عني لحظةً ذاق العيال مرارة الحرمان

طور بواسطة نورين ميديا © 2015