استعجال الطالب في التأليف

Q يلجأ بعض طلاب العلم إلى التحقيق والتأليف وهو صغير السن، وهو في مقتبل العمر ولم يحفظ القرآن ولم يجرد المطولات، ولم يلم بالمهمات من كتب أهل العلم، ويعتني بذلك اعتناء شديداً، فما المحاذير التي يقع فيها أمثال هؤلاء؟ وما رأيكم يضيعهم ونصيحتكم لأمثالهم؟

صلى الله عليه وسلم اليوم نعيش ظاهرة -ربما لمحت إليها- وهي: أن المكتبات الإسلامية تزخر يومياً بعشرات، وربما بمئات الكتب في ألوان العلوم الإسلامية، وكثيرٌ من هذه الكتب محقق؛ لكن التحقيق يختلف، فهناك تحقيق علمي بذل فيه الباحث جهوده والتزم شروط التحقيق العلمي- مثلاً-: نفترض أنه يحقق مخطوطة تجده يبحث عن نسخها على الأقل نسختين أو ثلاث نسخ منها إن وجدت، ويقارن بينها، ويثبت النص الصحيح، ويرجع النصوص إلى مواضعها، يترجم ولو باختصار للإعلام المغمورين، يوضح الكلمات الغريبة، يضع مقدمة للأشياء المهمة؛ تجده عملاً طيباً مهماً كان هذا الشخص غير معروف، أنت لا تحكم على الشخص تحكم على هذا العمل بأنه عمل طيب ومفيد، لكن في المقابل تجد ركاماً من الكتب ليس لها من التحقيق إلا أنه مكتوب على طرف الكتاب وغلافه (حققه فلان بن فلان) حتى أنني وجدت كتاباً مكتوب على ظهره وهو لـ ابن قيم الجوزية -رحمه الله- اسمه " اجتماع الجيوش الإسلامية على غزو المعطلة والجهمية " مكتوب على غلافه حققه "جماعة من العلماء"، (انظر كيف فخامة العبارة) وفي داخل الكتاب تجد في أحد الهوامش: (لم نعثر على هذه الآية ولعله حديث قدسي) -والجنون فنون كما يقال- فجماعة من العلماء لا يعرفون هذه الآية ولا يفرقون بين كلام الله وقول الرسول صلى الله عليه وسلم!! بعض الإخوة: قد يتسرعون فيشتغلون -مثلاً- بموضوع التحقيق أو البحث دون استكمال آلته، والواقع أن البحث من أهم وسائل التعلم، ولذلك تفرض الكليات والجامعات على طلابها بحوثاً في كافة السنوات، لكن هناك فرق بين أن أبحث، وأن أنشر، ففي رأيي أن الطالب الذي لا يأنس من نفسه القوة والكفاءة، إذا بحث أو حقق لا يعتمد على نفسه؛ بل يتكئ على غيره، ويطلب من أحد العلماء المعروفين أن يقرأ له هذا البحث ويصححه، ويصلح أخطاءه وينصحه فيه، أحد كبار العلماء ذكر أن طالباً من الطلاب قدم له بحثاً في موضوع من العبادات قد استقصى فيه أحكام عبادة من العبادات، كالصلاة مثلاً أو الحج، وجاء فيه بآراء غريبة؛ لأنه أحياناً الطالب قد يتبنى بعض الآراء التي فيها شذوذ، مثلاً يقرأ رأي ابن حزم، وابن حزم إمام جليل أوتي فصاحة وبلاغة، وقوة عبارة، وشدة على الخصوم، فالطالب إذا قرأ عبارة ابن حزم يشعر بأنه أسير لـ ابن حزم، وغالباً قد يقتنع بقوله، ثم إن ابن حزم يستعمل ما يسميه بعض المعاصرين بقياس الإحراج، وهذه -تسمية على مسمى- يعني: أنه يحرج الخصوم بتناقضاتهم.

فيقول: الحنفيون، قالوا: وهم في المقابل، قالوا: كذا، إذاً: هم تناقضوا.

ويأتي كذلك الشافعية والمالكية وغيرهم، ويظل يأتي لهؤلاء يحرجهم بقياسات من هذا النوع؛ حتى يشعر الطالب أو القارئ أن ابن حزم أصاب في هذه المسألة، وقد يكون له رأي خاص وابن حزم معذور؛ لأنه عالم مجتهد، لكن أنت لست معذوراً حين تأخذ رأي ابن حزم وتتشبث به كأنه رأيك الخاص.

فيقول: إن هذا الطالب جمع فيه آراء غريبة، لكن الغريب أنه في مقدمة الكتاب وفي الصفحة الأولى عدد من الأخطاء ما بين أخطاء نحوية ولغوية وإملائية، فالطالب الذي ما تمكنت لديه الآلة وليس عنده علم بالقرآن الكريم -حفظ القرآن- ومعرفة باللغة العربية، ومعرفة بالأساليب، فلا ينبغي أن يتعجل في نشر هذه البحوث.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015