بلا شك أن الأستاذ يؤثر تأثيراً بالغاً في طلابه، ولذلك فإن اختيار الطالب للأستاذ الذي يتلقى عنه العلم أمر في غاية الأهمية، وأقول: إذا عرفنا أن العلم ليس مجرد حقن للمعلومات في الذهن، أدركنا أن الطالب في الغالب هو صورة عن أستاذه، ولو تأملت لوجدت ذلك ظاهراً جلياً في العلماء، انظر في تلاميذ الإمام أحمد تجدهم صورةً مصغرة عن هذا الإمام، في العلم والزهد والورع، والاتباع، وانظر إلى تلاميذ الإمام ابن تيمية رحمه الله، كـ ابن القيم مثلاً، وابن عبد الهادي، والمزني وابن كثير إلى آخره تجد أيضاً التأثر الكبير بالشيخ والأستاذ، فبصمات الشيخ تظهر واضحة في التلميذ.
وأنت لو تأملت في الواقع، تجد أن الذين تتلمذوا على الأشياخ الأجلاء الكبار في هذا الزمان، صار الواحد منهم نسخةً عن أستاذه في كثيرٍ من الأشياء! يحدثني أحدهم: أن هناك شيخاً فاضلاً في أحد البلدان الإسلامية، كان فيه بحة في صوته فكانت هذه البحة تظهر لا شعورياً في كثيرٍ من طلابه، ومثال ذلك: حركة اليد فتجد كثيراً من طلابه يسلكون نفس الطريقة، وخاصةً حين يكون الشيخ ذا شخصيةٍ قوية مؤثرة في طلابه، فتجد هذه الشخصية منطبعة في نفوس الطلاب، وهذا يدعوك إلى أن تدرك أن قضية التتلمذ ليست قضية أخذ معلومات مجردة، بل قضية التتلمذ قضية تربية، وتعلم، وقضية تكوين شخصية التلميذ بإشراف الشيخ، وهذا يؤكد خطورة وأهمية الأخذ عن الشيوخ الذين يتميزون بالتكامل في شخصياتهم، ويؤكد أيضاً أن الطالب ينبغي أن ينوع من أشياخه.
ولذلك روى الدارمي عن أيوب السختياني أنه كان يقول: "إذا أردت أن تعرف خطأ شيخك فجالس غيره".
ومن الخطأ أن يكون التلميذ باحثاً عن عيوب الشيخ وليس المقصود ذلك، إنما الشيخ مهما يكن من الكمال؛ ففيه نقص، والنقص من طبيعة البشر، فإذا جالست هذا الشيخ، وذاك، وثالثاً، ورابعاً واستفدت منهم جميعاً فإنك تستطيع أن تتلافى، وتتخلص من الأخطاء الموجودة لدى كل واحدٍ منهم، أما لو اقتصرت على شيخٍ واحد، فإنك قد تتأثر بخطئه، وهذا لا يقصد به أبداً أن لا يتلقى الإنسان عن شيخٍ واحدٍ بصفةٍ أكثر مما يتلقى عن غيره، خاصةً قضية التربية.
وأنا أقول: -من وجهة نظري- وأعتقد أنها صحيحة وهي: أن التلقي عن الشيخ ينبغي أن يكون باختيار أحد أساتذتك سواء كان هذا الأستاذ معلماً في المدرسة أو مشرفاً في المركز، أو أستاذاً لحلقة تحفيظ القرآن في الحي -مثلاً- أو غير ذلك، بحيث تقترب منه، وتقتدي به في أعماله الخيرة الصالحة، وتأخذ عنه العلم، وتستفيد من رأيه وشخصيته، ومن علمه، وعبادته، وهذا هو المفهوم الصحيح للأخذ عن الشيوخ.
إذاً: فلابد من اختيار الشيخ أو الأستاذ، ولابد من مصاحبته، وبقدر تقصير الإنسان في الأخذ عن الشيوخ ينقص من علمه ومن تربيته.