طول الزمان، وهذه الوسيلة -أيها الشاب- يجب أن نقف عندها، فإني رأيت بعض الإخوة من حرصهم على العلم، وعلى التحصيل، وعلى دفع الجهل عن نفوسهم، ومن ملاحظتهم أن الناس من حولهم بدءوا يتعلمون، أصبح الواحد منهم لديه اندفاع غريب لتحصيل العلم، هذا الاندفاع تحطمت أمامه قضية التدرج وقضية عامل الوقت؛ بحيث أصبح الشاب يريد أن يجمع العلوم كلها في يوم وليلة، وقد نقل عن بعض الأذكياء أنه كان يقول: من أراد أن يحصل على العلوم كلها فيجب على أهله أن يداووه فإنما وقع في هذا التصور لشيء اعتراه، فهذا الرجل يصف الذي يحرص على تحصيل العلوم كلها في يوم وليلة، بأنه أقرب إلى الجنون، وأنه يجب على أهله أن يعالجوه من ذلك، وهذا المعنى يجب أن يفطن له الشباب، فلا بد من طول زمان لتحصيل العلم، والعلم الذي يأتي بسرعة يذهب بسرعة، ومن غير المعقول أن يحصل الشاب على ألوان وأنواع العلوم في أشهر، أو في سنوات، وإنما يتصور بعض الشباب هذا لسبب وهو جهلهم؛ فإن الإنسان الذي يجهل العلم يظن أن العلم أمراً يسيراً أما إذا تفتح الإنسان على بعض العلوم بدأ يدرك أن العلم بحر ليس له ساحل، وكلما ازداد الإنسان علماً كلما ازداد معرفةً بجهله، كما قال الشاعر: وكلما ازددت علماً ازددت علماً بجهلي أي أن الإنسان إذا عرف أشياء بدأ يطلع على ما لا يعرف، فإذا قاس نسبة ما يعرف إلى ما لا يعرف، أدرك أنها ضئيلة جداً، فيكون لديه أولاً تواضع ومعرفة بأنه ليس بعالم، ومعرفة إلى أنه بحاجةٍ إلى وقتٍ طويل حتى يحصل على العلم الكثير.
إذاً: لابد أن تراعي -أخي الشاب- قضية التدرج، وطول الوقت، وأن العلم يثبت بالعمل، والتربية والتعليم، فتعلم شيئاً فشيئاً، وما تعلمته فانزل به في ميدان الواقع وطبقه، وأدع الناس إليه، وإذا مت في هذا السبيل، فأنت مجاهد إن شاء الله، أما أن يغلب عليك طابع جمع المعلومات، بل أحياناً في جانبٍ واحد من جوانب العلم، وهو: من أجل أن أفتِ الناس، أو من أجل أن أكون عالماً مرموقاً مشاراً إليه فنسأل الله السلامة من ذلك.
إخوتي الشباب: إن الوسائل التي سبقت هي أصول لابد منها، لكن هناك وسائل خاصة مهم أن أشير إليها في هذه العجالة.