مثال ثالث: قضية المنكرات.
المجتمع -لا شك- مليء بمنكرات كثيرة ظاهرة ومستترة على كافة المستويات، منكرات إعلامية، منكرات اقتصادية، منكرات اجتماعية، إلى غير ذلك من ألوان المنكرات، فعندما نأتي ونتساءل: من المسئول عن إزالة هذه المنكرات؟ لا أحد يستطيع أن يقول: أنا مسئول إلا النادر من الناس إلا ممن رحمه الله.
يقول لي أحد الإخوة من طلاب العلم: عجبت لقد التقيت بأناس كثيرين، حتى من طلاب العلم، بل ربما من العلماء، فما تشتكي إلى أحد منهم منكراً إلا ويقول اذهب إلى فلان، انظر فلان، تكلم مع علان، قولوا كذا أو افعلوا كذا، ويكتفي فقط بالتوجيه، يقول: إلا شخص واحد من خلال تجربتي -هذا رأي الأخ المتحدث- يقول: وهو سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز، ما ذكرت له يوماً من الأيام منكراً أو خطأً، فقال لي اذهب إلى فلان أو إلى علان أو ما أشبه ذلك، إنما قال: نفعل -إن شاء الله- نخاطب الولاة نتحدث، ننكر ونبلغ، رجل يشعر بمسئوليته، هكذا تستطيع أن تصفه.
أرأيتم لو أننا قاطعنا المنكرات، ما الذي يحدث؟ سوف تكسد أسواقها، مثلاً شريط سيئ أو أغنية أو مجلة أو كتاب، أي بضاعة محرمة لو قاطعناها فمن يشتريها؟! لا أقول سوف تنقطع عن هذه البلاد، بل سوف تتوقف عن الصدور، فإن كثيراً من المجلات والكتب وغيرها، تجد في أسواق هذه البلاد من الرواج والانتشار ما لا تجده في أي بلد آخر، فلو أن كل واحد منا قاطع هذه الأشياء -مجرد حل سلبي ومشاركة سلبية- لانتهت هذه المنكرات وزالت.
مثلاً بنوك الربا، لو أن كل واحد منا لا يتعاطى الربا ولا يودع أمواله، ولا يأخذ الفوائد لانتهت.
لكن أنا وأنت والثاني والثالث، نقول حرام ونأخذه، وبالتالي أصبحنا نأمر بأيدينا وبأموالنا وبجهودنا، هذه المنكرات التي نتحدث عنها، ونقول: إنها منكرات.
قضية ثانية: عندما ترى منكراً ما دورك فيه؟ تقول: ليس لي دور، ليس هناك أحد ليس له دور، أضرب مثلاً بسيطاً: قبل شهر فتحت صندوق البريد، فوجدت فيه رسالة، فتحت هذه الرسالة، فإذا فيها خطاب من شاب مجهول لا أعرفه، قد يكون شاباً أو شيخاً أو غير ذلك، المهم من رجل مجهول، يقول لي: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته وبعد، يصلك مع هذا الخطاب قصاصة من جريدة كذا، وفيها إعلان عن حفل غنائي سوف يقام في بلد كذا، في يوم كذا، وهو حفل مختلط كما يدل عليه الإعلان، أرجو أن تقوموا بما تستطيعون في هذا المجال، ووجدته أرفق مع الخطاب قصاصة من إحدى جرائدنا المحلية فيها إعلان -فعلاً- عن حفل غنائي يقام بعد عيد الفطر المبارك، وحفل مختلط للرجال والنساء، يحييه الفنان المحبوب فلان، والفنان الموهوب علان، وللحجز والاستفسار اتصلوا بوكالة كذا، تليفون كذا.
أتوقع أن هذا الشاب كتب عدة رسائل لعدة أشخاص، فقام بدوره، فلما وضع أمامي القضية وجدت أن الأمر سهل لا يتطلب مني أنا -أيضاً- إلا أن أتصل بالهاتف على هذه الوكالة من باب المناصحة والمحبة في الله، فاتصلت، فقالوا لي: إن هذا قد ألغي وكتبنا في الجريدة نفسها اعتذاراً، وكان خطأً وقعنا فيه، وبلغنا الجهات المختصة بطريقة الوقوع في الخطأ، حتى لا يقع فيه غيرنا، وكان ذلك بفضل الله ثم بفضل تدخل الطيبين والصالحين وطلاب العلم، وكذا وكذا وكذا، وإن شاء الله نعدكم أنه لن يتكرر، هذا جيد، هذا حسن، إذاً ألغي هذا المنكر بسبب خطوة كالتي حدثت.
مثال آخر: في يوم من الأيام أعلن في أحد الجمعيات، يسمونها جمعيات الثقافة، من باب تسميه الشيء بضده، فأُعلن في إحدى هذه الجمعيات؛ أنه سوف تقام دورة للتدريب على الموسيقى للصغار من سن 13 - 18 سنة، فأحد الصالحين صور الخبر الذي فيه هذا، وكتب رقم تليفون الجمعيةـ حتى يتصل بهم ويناصحهم من يحب أن يقول لهم الكلمة الطيبة، وأرسلها إلى فلان وعلان من الناس الذين يعتقد أنه سوف يكون لهم تأثيراً، وفعلاً كان لهذه القضية تأثير، حتى لو لم يترتب عليها إلغاء مثل هذه الدورة، سيترتب عليها في المرة الثانية أن يحسب الإنسان ألف حساب لمثل هذا العمل، الذي يواجه به المجتمع، ويقوم فيه بأمر لا ينفعنا في دنيا ولا في دين.
إذاً ممكن أن تغير منكراً ما، بالخطاب، بالهاتف، بالكلمة الطيبة، بالنصيحة، بالمراسلة بأي شيء، وأضعف الإيمان المقاطعة، فلا تفعل المنكرات، ولا تجلس في المكان الذي يفعل فيه المنكر، ولا تساهم فيه بشكل من الأشكال، هذا أضعف الإيمان.