وكذلك الحال بالنسبة للواقع الدنيوي، فإن القرآن الكريم صريح وظاهر، في أن كل ما يلاقي الناس في هذه الدنيا من خير أو شر؛ فهو بسبب أعمالهم، يقول الله عز وجل: {وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [الشورى:30] كل مصيبة، حتى المصيبة الدنيوية التي تنزل بك، فهي بما كسبت يداك، والمصيبة الأخورية من باب الأولى.
ويقول الله عز وجل لأصحاب رسوله صلى الله عليه وسلم حين انهزموا في معركة أحد، وتعجب! أبو بكر وعمر وعثمان وعلي كيف يهزمون بزعامة محمد بن عبد الله عليه الصلاة والسلام؟ وأمام الطغمة الفاجرة الكافرة من عتاة قريش وفجارها، يهزمون ويقتل منهم من يقتل وتسيل الدماء، ويسقط الرسول صلى الله عليه وسلم في حفرة أبي عامر الفاسق، ويشج رأسه، وتكسر رباعيته، وتدخل حلقة المغفر في وجنته الكريمة بأبي هو وأمي صلى الله عليه وسلم، تعجبوا كيف يحدث هذا؟! قالوا: أنى هذا كيف حدث هذا؟! استغربوا لم يكونوا يتصورون أن المسلم يهزم أمام الكافر، فقال الله عز وجل: {أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران:165] قل هو من عند أنفسكم.
إذاً أنتم المسئولون، وأنتم السبب دون غيركم في هذه الهزيمة النكراء التي لم تحسبوا لها حساباً، وكذلك يقول الله عز وجل: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا} [الروم:41] فكل فساد يظهر في البر أو في البحر، فهو بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا، حتى حين ينظر الإنسان السطحي المغفل فلا يدرك، فإن العقلاء يدركون أن كل فساد يقع في البر أو البحر أو الجو فإنه بما كسبت أيدي الناس، وأنها ليست كل العقوبة، بل هو بعض الذي عملوا، هو مجرد إيماء وتحذير وتنبيه لعلهم يرجعون.
وفيما يتعلق بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، تعرفون الحديث الصحيح الذي رواه أحمد وغيره، عن ابن عمر رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {يا معشر المهاجرين، خمس خصال إن ابتليتم بهن وأعوذ بالله أن تدركوهن} فذكر خمس خصال من المصائب والنكبات، وعقوباتها في الدنيا، ولا أريد أن أذكر الحديث فهو بطوله معروف، لكن مثلاً ذكر عقوبة الزنا وهي ظهور الطواعين والأمراض التي لم تكن في أسلافهم، كالهربس، والإيدز، وإلى غير ذلك من الأمراض الجنسية.
الربا وأنه هو سبب في ابتلاء الناس بانحباس المطر عنهم، أيضاً ظلم السلاطين، إلى غير ذلك من العقوبات التي رتبها رسول الله صلى الله عليه وسلم، على بعض المعاصي التي يفعلها الناس في هذه الدار.