إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداً، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله {إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:56] اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك نبينا محمد، الذي بلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الله تعالى به الغمة، فجزاه الله عنا وعن أمة الإسلام خير الجزاء.
في هذه الليلة، ليلة التاسع والعشرين من شهر ذي القعدة، لعام ألف وأربعمائة وعشرة للهجرة، تنعقد هذه المحاضرة، وأود أن أنبه إلى لبس ربما كنت طرفاً وسبباً فيه، أو كان غيري كذلك لأنني لا أريد أن أتخلى عن المسئولية في هذا الأمر، وهو: أن هذا المحاضرة لها عنوان خاص أعددته منذ أشهر، وكنت جعلت عنوان هذه المحاضرة " نحن المسئولون " فهذا هو العنوان الذي سأتحدث فيه الليلة.
ولذلك لا أحب أن أتخلى عن المسئولية في هذا اللبس؛ لئلا أكون متناقضاً مع هذا العنوان الذي اخترته، وإلا فإنني قد بلغت هذا العنوان إلى الإخوة المسئولين في الإفتاء في الدمام، لكن ربما حصل شيء من اللبس في ذلك.
نحن الآن في هذا البلد الكريم المضياف في الأحساء، نحن في هجر التي قال النبي صلى الله عليه وسلم: {أنبئت أن دار هجرتي أرض ذات نخل بين حرتين، فذهب وهلي إلى أنها هجر} لقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم يوماً من الأيام أن تكون هذه البلاد هي دار هجرته، ومقامه ومنطلق رسالته وبعثته، وفي هذا من الدلالة والإشارة ما فيه، وهذه البلد بلد عبد القيس الذين كانوا من أول الناس إسلاماً، ومن أول القبائل إسلاماً ووفوداً على رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخبرهم في الصحيحين {قالوا: يا رسول الله، إن بيننا وبينك هذا الحي من كفار مضر، وإننا لا نستطيع أن نأتيك إلا في شهر حرام، فمرنا بأمر فصل نخبر به من وراءنا وندخل به الجنة، فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بأربع، ونهاهم عن أربع} وهذا البلد هو أشج عبد القيس الذي قال: عنه النبي صلى الله عليه وسلم، كما في الحديث الصحيح: {إن فيك خصلتين يحبهما الله ورسوله: الحلم والأناة.
قال: يا رسول الله، أخصلتان جبلت عليهما أو اكتسبتهما؟ قال: بل جبلت عليهما.
فقال: الحمد لله الذي جبلني على ما يحبه ويرضاه} .
الموضوع الذي سأتحدث عنه، موضوع في غاية الخطورة بلا إشكال، وهو موضوع خطير بالنسبة لكل فرد منا، وبالنسبة لكل مسلم، سواء كان أباً أم ابناً، معلماً أم طالباً، كبيراً أو صغيراً، مسئولاً أم موظفاً عادياً أم مزارعاً أم تاجراً أم أي شيء آخر، فما دام مسلماً؛ فهذا الموضوع في الغاية العليا من الأهمية والخطورة بالنسبة له، ألا وهو: تحديد من المسئول، وهذا الموضوع مع أهميته فيه طرافة وفيه عجب، وفيه إثارة جيدة لمن عقل وتفهم وتدبر.