إنَّ المسلم الذي كان يهاجر من بلده، بلد الكفر إلى بلد الإسلام، إلى المدينة المنورة مثلاً، أليس مرتبطاً عاطفياً ببلده؟ الإنسان بطبيعته يحب البلد الذي ولد فيه ونشأ فيه، له فيه ذكرياته كما يقول ابن الرومي: وحبب أوطان الشباب إليهمُ مآرب قضَّاها الشباب هُناِلكا إذا ذكروا أوطانهم ذكَّرتهم عُهود الصِبا فيها فحنوا لِذلكا ولذلك بلال رضي الله عنه مثلاً، هاجر فيمن هاجر من مكة إلى المدينة فأصابته الحمى، فكان إذا أصابته الحمى، يقول وهو لا يعي ما يقول من شدة الحمى، كان يتغنى بأبيات يذكر فيها مواقع، ومواضع، وجبالاً، وأودية قريبة من مكة، فكان يقول: ألا ليت شعري هل أبيتنَّ ليلةً بوادٍ وحولي إذ خِر وجليلُ وهل أردنْ يوماً مياه مجنة وهل يبدون لي شامة وطفيل فيذكر أسماء مواضع ارتبطت في ذهنه وعقله، حتى ورد أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان يقول: {اللهم العن فلاناً وفلاناً وفلاناً، كما أخرجونا من ديارنا إلى ديار الوباء} وبكل تأكيد كان - صلى الله عليه وسلم- يحب مكة.
وفي حديث عبد الله بن عدي أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما خرج من مكة ووقف بالحزورة، وهو مكان يقع تقريباً إلى الشمال الشرقي من مكة، التفت إليها وقال: {والله إنك لأحب بلاد الله إلى الله، ولولا أن قومك أخرجوني ما خرجت} ودمعت عيناه صلى الله عليه وآله وسلم، فمع أنه مرتبط بالحب لهذا البلد الأمين الذي فيه الكعبة؛ إلا أنه صلى الله عليه وسلم لم يتردد في الهجرة إلى المدينة عندما كانت مصلحة الإسلام تقتضي ذلك، وهكذا بقية أصحابه، هاجروا من بلادٍ شتى إلى المدينة المنورة، فمع أن الإنسان مرتبط بحب بلده، إلا أنه قدم حب الدين على حب البلد، الذي هو أمر فطرى في الإنسان، فهذا فيما يتعلق بقضية الهجرة.