قضية الأخوة

الإنسان العربي مرتبط بالقبيلة، ولا أدل على ذلك من أنه على رغم مضي هذه السنين الطويلة، إلا أننا نجد كثيراً من الناس -حتى من المسلمين أنفسهم- لم يتحرروا من قضية التعصب القبلي أبداً، ولا زالت تعيش في نفوسهم عقلية الرجل العربي في كثير من الأحيان، مرتبطة بقضية الولاء للقبيلة والتعصب لها، حتى أحياناً في قبائل عربية عريقة لا يزوج بعضهم بعضاً، لماذا؟ لأن هذا من قبيلة كذا، وهذا من قبيلة كذا، مع أنه أولاً: {إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} [الحجرات:13] .

ثانياً: حتى بمقياسهم هُم كلهم عرب، ومع ذلك لا يزوج بعضهم بعضاً، وليس قصدي أن أتكلم عن هذا الموضوع، هذا الموضوع له مجال خاص في الحديث عنه، إنما قصدي أن أقول: إن الإنسان العربي في كثير من الأحيان، كانت القضية مرتبطة عنده بالقبيلة، ومع ذلك لما جاء الإسلام، وصدقوا في تدينهم وولائهم، لم يعد لقضية القبيلة عندهم وزن أو اعتبار أمام الأخوة الإسلامية.

فالذين هاجروا تركوا قبائلهم إلى بلد آخر، وآخى الرسول صلى الله عليه وسلم بينهم، فكان يؤاخي بين كل مهاجرٍ وأنصاري، فما نزل مهاجر على أنصاري إلا بقرعة، وهم كانوا قبائل بالأمس كادت أن تثور الحروب بينهم، بل ربما آخى الرسول صلى الله عليه وسلم بين عربيٍ أصيل قُحْ، وبين مولى من الموالي، وربما كان هذا المولى أفقه من العربي وأعلم فكان يرجع إليه، كما هو الحال بالنسبة لـ بلال رضي الله عنه، أو صهيب، أو سلمان أو غيرهم، فتخلوا عن هذا الأمر الذي هو في أصل تركيبهم، وعقليتهم، وتربيتهم، وأصبحت قضية الأخوة الإسلامية هي المبدأ الذي يسيرون عليه، لماذا؟ لأن هَمَّ الإسلام صار هو الهم الذي يشغلهم، ولذلك كيَّفوا حياتهم كلها، أخذاً وعطاءً، قبولاً ورداً، ولاءً وبراءً، قرباً وبعداً، كيفوها مع الإسلام، ومع مصلحة الإسلام، ومصلحة الدعوة إلى الإسلام.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015