العجز

فمن العوائق، بل لعله من أكبر العوائق ما عبر عنه الرسول صلى الله عليه وسلم بالعجز، العجز الذي وجد عند بعض الناس، كما قال عليه الصلاة والسلام في الحديث الصحيح: {المسلم القوي خير وأحب إلى الله من المؤمن الضعيف وفي كل خير، احرص على ما ينفعك واستعن بالله ولا تعجز} العجز الذي جعل الكثيرين يفقدون الذات، يفقد الإنسان ذاته، يخسر جزءاً كبيراً من نفسه، فهو يحس أنه نقطة في بحر ليس لها تأثير، أو ريشة في مهب الريح، فهو مشلول التفكير، مشلول الإرادة، مشلول القدرة، يحاول أن يوهم نفسه ويوهم الآخرين، بأنه دائماً تابع وليس متبوعاً، مسير وليس مخيراً، فمرة يحتج بالقضاء والقدر، وكأن القدر جبرية ليس للإنسان فيها يد، والله تعالى يقول: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ * وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير:28-29] .

وهو حيناً يلقي بلائمة على سواه، فإن كان يتحدث عن الفساد السياسي والعسكري جعل سببه الحكام، وللحكام من ذلك نصيب، ولكن للشعوب أيضاً نصيب آخر، وإن كان يتحدث عن الفساد الديني والأخلاقي جعله مسئولية العلماء والدعاة، وإن كان يتحدث عن الانتكاسات التي منيت بها الأمة، جعلها مسئولية كيد الأعداء ومكرهم الذي لا يفتر ليلاً ولا نهاراً، وينسى قول الله عز وجل: {وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً} [آل عمران:120] {فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً} [النساء:76] ثم هو يفتعل كافة الأسباب لتسويغ هذا القعود.

حالة الضعف: واحد من الناس -رقم واحد- من أجل ألا يعمل ولأنه عاجز يزعم أن الأمور جيدة، وأن الدعوة قائمة تماماً وأنه ليس له مكان، فهو يقول: ماذا أصنع؟ المساجد لا تحتاج إلى خطباء أو أئمة، النشاط المدرسي هناك من يقوم عليه، والدروس العلمية كثيرة بل هي أكثر من الحاجة، ولذلك ليس لي مجال.

وهذا كما يقول هذا في الدنيا، يقول مثله في الآخرة أو قريباً منه، وفي الصحيح ذكر النبي صلى الله عليه وسلم قصة الرجل الذي قال الله تعالى له: {اذهب ادخل الجنة، فذهب فلما اقترب منها خيل إليه أنها ملئا فرجع، وقال: يا رب وجدتها ملئا، قال الله عز وجل: اذهب فادخل الجنة، حتى قال الله تعالى له: اذهب فادخل الجنة فإن لك الدنيا وعشرة أمثال الدنيا، فقال: أتهزأ بي وأنت الملك؟! قال: فضحك رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بدت نواجذه} .

إذاً: يتعلل أحياناً بأن الميدان ملئا، وأن الساحة لا تحتاج إلى جهده ولا إلى جهاده.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015