عقدة المؤامرة

شخص ثالث: تسيطر عليه عقدة المؤامرة فهو يتخيل المؤامرة وأصابع العدو في كل شيء يواجهه، وفي كل حركة وفي كل سكنة؛ حتى يظن والعياذ بالله أن أعداءه وخصومه يُسّيِّرون كل شيء ويصنعون كل شيء، ويتحول هذا من مجرد تحليل أو بعد نظر بصورة معتدلة معقولة، إلى وسوسة تقعد الإنسان عن العمل كثيراً.

كثيرون يعتقدون الآن أن اليهود يدبرون أمر العالم، وأن هناك لجنة ثلاثية أو رباعية أو أربعينية أو خمسينية مكونة من رءوس اليهود هي التي تدير كل الأمور في العالم، وهذا في الواقع تصور خطير حتى من الناحية الاعتقادية، فنحن نعلم أن الله تعالى وحده هو الذي على كل شيء قدير، وهو الذي بكل شيء عليم، وهو الذي لا يقع في الكون إلا ما يريد، أما البشر فهم ليسوا كذلك ولا قريباً منه، بل كثيرٌ من الأشياء تقع بغير اختيارهم، ربما يفلحون فقط في استغلال الأحداث، في صناعتها، في تجييرها لصالحهم، أما أن يصنعوا هم الأحداث من أصلها وفصلها فهذا ليس بصحيح.

على سبيل المثال: الغرب الآن في فترة تمكين وقوة وبأس شديد، أليس الغرب أعلن بنفسه أنه يسعى إلى إسقاط النظام البعثي في العراق ومع ذلك لم يفعل حتى الآن، بغض النظر عن جديته في مثل هذا الأمر ومصداقيته، قد يقول قائل: إن الغرب مستفيد من بقاء حكم البعث في العراق.

مثلٌ آخر: أليس الغرب أعلن منذ سنوات أنه ضد الحكومة القائمة في السودان، وأنه يحاربها، وكان يراهن على سقوطها خلال ستة أشهر، ومع ذلك ظلت وبقيت وربما قويت أيضاً، مع أنها دولة من الناحية الاقتصادية ليست بالوضع الذي يمكنها من مواجهة مثل هذه المواقف الصعبة، لكن ينبغي أن نعلم أيضاً أن هؤلاء قد يريدون الشيء ولا يقع، وقد يقع الشيء ولا يريدونه، وأن هناك أشياء كثيرة تقع على خلاف ما يتوقعون، وخلاف ما يريدون وما يتمنون، لكنهم أذكياء فهم يستفيدون من الأحداث ويحاولون أن يطوعوها لمصلحتهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015