أما فيما يتعلق بأسلوبه صلى الله عليه وسلم مع أهله وفي بيته، فيكفيني أن أشير لكم إلى قصته مع عائشة رضي الله عنها، وكان يحبها حباً شديداً، تقول عائشة رضي الله عنها: {دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان ذلك في يوم عيد، وعندي جاريتان تغنيان بغناء بعاث -ويوم بعاث كان في الجاهلية بين الأوس والخزرج- قالت: فاضطجع رسول الله صلى الله عليه وسلم على الفراش، وحول وجهه، فدخل أبو بكر فانتهرني، وقال: مزمار الشيطان عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: دعهما، -وفي لفظ آخر- فإنه يوم عيد، قالت: فلما غفل غمزتهما فخرجتا، وكان يوم عيد يلعب السودان بالدرق والحراب، وكان ذلك في المسجد، قالت: فإما سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإما قال لي: تشتهين أن تنظرين؟ قلت نعم، قالت: فأقامني وراءه خدي على خده، -أي وقفت خلفه على كتفه وخدها إلى خده صلى الله عليه وسلم تنظر إليهم وهم يلعبون بالحراب في المسجد- قالت: وهو صلى الله عليه وسلم يقول: دونكم يا بني أرفده، دونكم يا بني أرفدة- وكأن هذا نوع من الإغراء، وكأنه يحثهم على هذا الذي هم فيه، -قالت: حتى إذا مللت، قال: حسبك، قلت: نعم، قال: فاذهبي} .
صلى الله عليه وسلم مشغول بأمور الجهاد، ومشغول بأمور تعليم الناس الدين، ينزل عليه الوحي بكرة وعشياً، ومع هذا كله يتبسط صلى الله عليه وسلم في طريقته مع أهله، إلى حد أن يقف مع عائشة رضي الله عنها تنظر إليهم وهم يلعبون، فلا ينصرف حتى تمل هي رضي الله عنها، فتنصرف فيتركها صلى الله عليه وسلم.