إن الداعية اليوم أو الخطيب إذا تحدث عن حقوق الأبناء والبنات أغضب الآباء والأمهات، فقالوا: فتحت عيون أولادنا عن أمور كانوا عنها غافلين، فإن تكلم عن حقوق الآباء على الأبناء، قال له الأبناء: ليس آباؤنا بحاجة إلى من يزيدهم ضغطاً علينا وحجراً على حقوقنا، وإن تكلم عن حقوق الأزواج (الرجال) اضطربت الزوجات وقلن: أنتم لا تتكلمون إلا عن حقوق الزوج، وكأن المرأة عندكم مهدرة الحقوق، مهضومة الجانب، أما إن تكلم عن حقوق الزوجات والأمهات والبنات؛ فإن بعض الأنوف ترم، ويقول قائلهم: المرأة طول عمرها قانعة بما هي فيه، حتى أتيتم أنتم ففتحتم لها الأبواب وهيأتم لها الأسباب، وأغريتموها بالمطالبة والمغالبة.
وإن تكلم المتحدث اليوم عن حقوق المدرسين غضب الطلاب وأرغوا وأزبدوا، وإن تكلم عن حقوق الطلاب غضب المدرسون ومالوا وقالوا، وإن تكلم عن حقوق هؤلاء جميعاً غضب الإداريون، وقالوا: قلت وفعلت، وإن تكلم عن حقوق الرعية غضب الراعي، وإن تكلم عن هؤلاء غضب أولئك، ولهذا يميل الكثيرون اليوم إلى ترك الحديث عن الموضوعات الساخنة والموضوعات الحية إيثاراً للسلامة والعافية في أنفسهم وفي أعراضهم وفيما يقولون، ويتركون الجرح غضاً طرياً نازفاً ينزف بالدماء، ولو كانوا يتحسرون في دخيلة نفوسهم على هذا، ولكنهم لا يملكون الجرأة والشجاعة إلى أن يجاهروا بإنكار العيوب والدعوة إلى إصلاحها.