ومن بعدهم توفر علماء أفذاذ جهابذة لتدوين السنة وحفظها، ويكفيك أن تعرف جهود الأئمة الستة في حفظ حديث النبي صلى الله عليه وسلم.
إن الإمام البخاري رحمه الله قضى عمره كله في هذا السبيل، شغل وقته وذهنه فيه.
حتى إنك إذا جئت إلى أحدهم في مجال العلوم الشرعية والتحصيل وجدته يملك حافظة فذة، فإذا أتيته في أمور الدنيا وجدت كأنه لا يفقه شيئاً.
البخاري رحمه الله لما صنف كتاب التاريخ الكبير في هذا الكتاب، الذي هو تراجم الآلاف من أسماء الرجال، تجده مع ذلك يقول: قَلَّ اسم في التاريخ الكبير إلا وله عندي قصة، لكني تركتها خشية الإطالة! وهذا يدل على سعة علمه بالرجال والحديث وغيره.
وفي مقابل ذلك يقول رحمه الله: إن بعض قريباته كن يبعثن إليه ببخارى بالسلام، فأراد يوماً ليكتب رسالة ليقرئهن السلام، فعزبت عنه أسماؤهن حتى لا يذكر منها شيئاً، لأنه قد استفرغ جهده وهمه في الحديث النبوي، ولذلك لم يعبأ بما سوى ذلك، وصار عنده عدم اكتراث لها، فغفل عنها وصار ينساها بسهولة، فيما يتعلق بالأمور الدنيوية التي لا يحتاج إليها في أمور العلم.
وبذلك علم كيف حفظ الله دينه بواسطة من سخر من العلماء والرجال الأفذاذ من يتوفرون على حفظ السنة.