الأمر الثاني: أن هذا الدعاء ينبغي أن يكون منهج حياة، إذ ليس جديراً بالإنسان أن يدعو الله تعالى وهو مقيمٌ على معصيته، مخالفٌ أمره، فإن هذا يوجد في قلبك وحشة من الله تعالى وبعداً، فلا تجد إقبالاً على الدعاء، ولا تجد في قلبك إخباتاً إلى الله تعالى، تبحث عن قلبك فلا تجده عند الحاجة إليه؛ لأنك ملأت قلبك بالذنوب والمعاصي، فاسود قلبك وصارت فيه وحشة من الله تبارك وتعالى، فإذا أردته ببكاءٍ أو دعاءٍ أو خشوع بحثت عنه فلم تجده، ولهذا ينبغي أن تدرك أن الدعاء يستوجب فعل الأسباب، ولهذا جاء ربيعة بن مالك الأسلمي إلى النبي صلى الله عليه وسلم، كما في صحيح مسلم: {فقال: يا رسول الله! ادع الله أن أكون معك في الجنة، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: أعنيِّ على ذلك بكثرة السجود} ولما دعا المؤمنون: {رَبَّنَا هَبْ لَنَا مِنْ أَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّاتِنَا قُرَّةَ أَعْيُنٍ وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَاماً} [الفرقان:74] بين الله تعالى في موضعٍ آخر أن الإمامة في الدين تتطلب فعل الأسباب، ومن الأسباب: الصبر واليقين، قال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآياتِنَا يُوقِنُونَ} [السجدة:24] قال سفيان: [[بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين]] .
إذاً: حين تدعو، وحين تستعيذ بالله من الجبن لا ينبغي أن تستعيذ بالله من الجبن وأنت تمارس كل ألوان الجبن، والخوف؛ كالخوف من المخلوقين، ومن الناس والسلاطين، والخوف من رجال الأمن والقوى العظمى، والخوف من اليهود، بل ينبغي أن تقول: أعوذ بالله من الجبن، وتربي نفسك على الشجاعة في الوقوف أمام الناس، وفي قول كلمة الحق، وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والشجاعة بالبحث عن العلم والسؤال عنه، فإنه لا يتعلم العلم مستحٍ ولا مستكبر، والشجاعة في كل موقف، وألا تخاف إلا الله عز وجل، فإن أرزاق العباد وآجالهم وأموالهم وأنفاسهم بيد الله تعالى، لا يقدمون ولا يؤخرون، قالوا: قالوا تحفّظ فإن الناس قد كثرت أقوالهم وأقاويل الورى محنُ فقلت: هل عيبهم لي غير أني لا أدين بالدجل إذ في دجلهم فتنُ وإنني مولع بالحق لست إلى سواه أنحو ولا في نصره أهنُ دعهم يعضوا على صم الحصى كمداً من مات من غيظهم منهم له كفنُ فإن كلمة الحق لا تباعد من رزق، ولا تقرب من أجل، فينبغي للإنسان أن يربي نفسه وغيره على الشجاعة في الحق، والقوة فيه، وألا يخاف إلا الله: {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ} [الأحزاب:39] .