الانتقال من عمل إلى بدله عند العجز

سادساً: إذا شعرت بالعجز عن شيء، فانتقلي لما بعده، أو للبدل الذي يقوم مقامه، والله لا يكلف نفساً إلا وسعها، فمثلاً: إنسان شعر بالعجز عن شيء، يقول: لا أستطيع فعل كذا وعجزت، نقول: اترك هذا العمل، ما دام أنك لا تستطيع فعله، وانتقل لما بعده، وإذا عجزت سقط عنك هذا الشيء الذي عجزت عنه، ولا أريد أن أضرب أمثلة في هذا المجال؛ لأنها كثيرة.

وكذلك يمكن أن ينتقل الإنسان عند العجز إلى البدل، إذا كان للشيء بدل -فمثلاً- عند العجز عن الوضوء بالماء، ينتقل إلى التيمم، والله عز وجل شرع لنا التيمم في حال المرض، أو فقدان الماء، أو خشية الضرر باستخدامه، فكيف إذا كان بعض الموسوسين وسواسهم -من قبل الشيطان- في الماء، وجاهد نفسه سنوات طوال، وهو يجلس عند الماء أزمنة طويلة، ويتوضأ ثم يعيد الوضوء، ويغتسل ثم يعيد الغسل، وقد أتاني أحدهم بعد ما ارتفعت الشمس وتعالى النهار، وهو يصرخ ويصيح ويقول إنه لم يصل الفجر حتى الآن، وأنه عجز عن الاغتسال، وهو ينغمس في الماء ثم يخرج منه، هذا قام بالواجب عليه، وهو أصلاً قام بالواجب لكنه لم يقتنع بأنه قام بالواجب، فنقول له: هذا سقط عنك، وهذا الذي قمت به قد قمت به، وعندك التراب فتيمم به.

فإذا عجز عن شيء انتقل إلى البدل عنه، أو عجز عنه وليس له بدل انتقل إلى ما بعده، وأنا أقول هذا لأن الأكثر أو كل الأشياء الذي يظن الموسوس أنه عجز عنها، هو في الواقع قام بها لكنه لا يدري أنه قام بها.

وذلك مثل النية لا يحتاج الإنسان أن يستحضر فيجلس ليستجمع نيته، فمثلاً: أنتِ توضأت الآن ثم أتيتِ ووقفت على المصلى مستقبلة القبلة، فمن المعروف أنك لم تقفي هنا لأجل أن تطبخي، ولا من أجل أن تعملي شيئاً آخر، إنما وقفت لأجل أن تصلي، فالأمر واضح، فهذه النية موجودة ومستقرة وتكلف استحضار واستجماع النية؛ هذا الأمر غير مطلوب، فالنية موجودة في الحالة هذه، لكن مع ذلك يقول الإنسان: أنا ما نويت، هذه النية كافية اترك كبر وانتقل، انتقل إلى ما بعد النية وهو التكبير، وهكذا، ولذلك يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مواضع من شرح حديث: {إنما الأعمال بالنيات} يقول: إن النية أمر ضروري جبل عليه الإنسان، حتى لو أن الإنسان أراد أن يدفع النية عن نفسه لما استطاع، ولو قيل للإنسان: لا تستحضر النية فإنه لا يستطيع، وهذا من تكليفه بما لا يطاق، وكيف يفعل شيئاً من غير نية وهو إنسان عاقل بكامل قواه العقلية، فهو لا يستطيع أن يدفع النية، لأن النية تسبق العمل أصلاً، فالإنسان لا يقدم على العمل إلا بعدما ينوي ويهم ويعزم بفعل الشيء، ويتجه إليه إلا أن يكون مجنوناً، أما الإنسان العاقل فنيته وعزمه يسبق عمله، فهو يهم بالشيء ثم يفعله.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015