حديث: إزرة المؤمن إلى نصف ساقيه

Q من الأحاديث التي يسأل عنها أيضاً حديث: {إزرة المؤمن إلى نصف ساقيه} .

صلى الله عليه وسلم الحديث صحيح بلفظ: {إزرة المؤمن} بالهمزة المكسورة، {إزرة المؤمن إلى نصف ساقيه} بل ورد في هذا أحاديث وليس حديثاً واحداً، منها: حديث أبي هريرة رضي الله عنه بلفظ: {إزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه} وقد رواه أبو يعلى كما في [11/526] والطيالسي [1/352] والإمام أحمد في "مسنده" [2/504] وزاد الإمام أحمد: {إزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه، ثم إلى الكعبين، فما كان أسفل من ذلك ففي النار} .

فبين أن الإزرة (الثوب) إلى نصف الساق، فإن كان ولا بد فإلى الكعبين، أما ما أسفل من الكعبين فهو في النار، والحديث سنده حسن، وهو صحيح لغيره.

ومن الأحاديث في هذا الباب قوله صلى الله عليه وسلم: {إزرة المؤمن إلى نصف الساق، ولا جناح عليه فيما بينه وبين الكعبين، فما كان أسفل من الكعبين فهو في النار، ومن جر إزاره بطراً لم ينظر الله تعالى إليه} .

وهذا الحديث رواه مالك في موطئه" [2/914] ، وأحمد [3/5] وأبو داود [رقم 4093] وابن ماجة [رقم3573] ، وأبو يعلى [2/ 268] ، ورواه أيضاً ابن حبان وصححه، والبيهقي كلهم عن أبي سعيد الخدري [وسند الحديث صحيح] .

الحديث الثالث أيضا: ً {إزرة المؤمن إلى أنصاف ساقيه} رواه النسائي عن ابن عمر، وروى مسلم في صحيحه [3/ 1653] عن ابن عمر رضي الله عنه قال: {مررت على النبي صلى الله عليه وسلم وفي إزاري استرخاء، فقال: يا عبد الله ارفع إزارك، فرفعته.

فقال: زد، فزدت.

قال ابن عمر فما زلت أتحراها بعد، فقال له بعض القوم: إلى أين؟ قال: إلى أنصاف الساقين} .

إذاً: هذه الأحاديث صحيحة، وقد روى النسائي في سننه أيضاً [2/206] عن حذيفة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {موضع الإزار إلى أنصاف الساقين والعضلة، فإن أبيت فأسفل، فإن أبيت فمن وراء الساق، ولا حق للكعبين في الإزار} .

فهذه أربعة أحاديث عن أبي هريرة، وابن عمر، وأبي سعيد، وحذيفة، كلها صريحة في أن إزار المؤمن إلى نصف الساق، فإن أبى وأصر، فإلى الكعبين، وما كان أسفل من الكعبين ففي النار.

ولي على هذه الأحاديث الأربعة تعليقاً.

أولها: قال الله عز وجل: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب:36] وقال عز وجل: {فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [النساء:65] .

وبناءً عليه: فإن المؤمن بالله ورسوله بعد أن يسمع هذه الأحاديث الصحيحة -وغيرها كثير مما لم أذكره- فإنه ينبغي ألا يمقت أو يستهجن أو يشمئز إذا رأى إنساناً قد رفع ثوبه إلى نصف الساق، فإن هذه سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم الثابتة عنه في أحاديث صحيحة، سقت بعضها، وليس من شأن المؤمن أن يعترض أو ينكر ما يعلم أنه يثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، هذا الكلام أسوقه للمؤمنين.

وأقول: إن من ينكر، أو يستهجن من يرى أنه يقصر ثوبه، فلا شك أنه جاهل أو معاند، أحسن أحواله أن يكون جاهلاً، فإنه من علم سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، فإنه ليس له أن يدعها لقول أحد، كما قال ابن المنذر، والشافعي، وغيرهما من أهل العلم: "أجمع أهل العلم على أن من استبانت له سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن له أن يدعها لقول أحد".

ثانياً: نقول للذين لا يعجبهم هذا الكلام، ممن ليسوا من أهل التدين والصلاح أصلاً، وإنما هم من أهل الريب والوقيعة في العلماء والدعاة وطلاب العلم، وممن يستغلون مثل هذه الأشياء للسخرية والعيب للمؤمنين والصالحين من الشباب وغيرهم.

فأقول لهم: إذا كنتم لا تقبلون ما تسمعونه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا تنصاعون له، وقد ارتضيتم لأنفسكم هدياً غير هديه وسنة غير سنته، فأصبحتم تعارضون رسول الله صلى الله عليه وسلم حين يأمركم -معشر الرجال- بتقصير ثيابكم، نبصر الواحد منكم وقد أطال ثوبه، وجره وراءه، وإذ أمر النبي صلى الله عليه وسلم نساءكم بالستر والتصون والعفاف، ورخص للنساء كما في حديث أم سلمة وغيرها {أن يرخين الثوب ذراعاً ولا يزدن على ذلك} وجدنا نسائكم يقصرن ثيابهن يوماً بعد يوم، حتى إن المرأة أصبح ثوبها أحياناً إلى نصف الساق! وما ذلك إلا محادة لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

فنقول لهم: إذا كنتم رضيتم لأنفسكم بهدي غير هدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك من باب تقليدكم للغرب واتباعكم لآثارهم وسيركم على سننهم وطريقتهم، كما أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم: {لتتبعن سنن من كان قبلكم حذو القذة بالقذة، حتى لو دخلوا جحر ضبٍ لدخلتموه} كما رواه الشيخان، فلماذا خالفتم هدي سادتكم من الغرب في هذه المسألة؟! فإننا رأينا هؤلاء الغربيين الذين تقلدونهم، وتسيرون على طريقتهم، رأيناهم يعتبرون مسألة الثياب من قضية الحرية الشخصية، فتأتي إلى بلاد الغرب وهم لا يلبسون إلا البنطلونات -الملابس الإفرنجية المعروفة- فيلبس الإنسان منا ثوباً من الثياب العربية هذه، وهو غريب مستنكر عندهم، فلا يجرؤ أحد منهم على أن ينظر إليه، فضلاً عن أن ينكر عليه.

وقد رأيت بعيني: إذا رآنا الصبيان الصغار والتفتوا إلينا، فإن الأب يجر ولده بشدة، ويصرف بصره، يعني يقول: لا تنظر، ما شأنك! هذه حريات شخصية، لا ينبغي لأحد أن يتدخل فيها بشأن أحد.

فإذا كنتم لا تؤمنون -والخطاب للذين يسيرون وراء اليهود والنصارى والغربيين في تقاليدهم وعاداتهم وأزيائهم- إذا كنتم لا تؤمنون بهذه السنة أفلا أدخلتموها في باب الحرية الشخصية، فقلتم: هذا الشاب الذي رفع ثوبه فوق الكعبين أو إلى نصف الساقين، أو إلى ما أسفل من الركبة، أيضاً هذا من باب الحرية الشخصية ولا شأن لكم به! ونحن نرى لاعبي الكرة وهم يلبسون السراويل القصيرة إلى الفخذين، وربما أقل من ذلك، فلا يعيب عليهم أحد، بل لو لبسوا غير ذلك لعيب عليهم، بل لمنعوا من ذلك بمقتضى القوانين الدولية الرسمية التي تحكم في كل مكان، بما في ذلك هذه البلاد، ولا يجرؤ أحد على مخالفتها! فالتعليقة الثانية أن نقول للذين لا يقبلون أن هذه سنة: اجعلوا هذا من باب الحريات الشخصية، ولا تتدخلوا في شئون الآخرين، إنسان طول ثوبه، قصر ثوبه، لبس نوعاً معيناً من الثياب، أو نوعاً آخر، اجعلوا هذا في باب الحرية الشخصية، ولا تتدخلوا في ذلك.

ثالثاً:- إن الذي يقرأ سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم وسنته يلحظ بشكل جلي أن هذا الأمر الذي كان أمر به النبي صلى الله عليه وسلم، ولا شك أنه فعله أحياناً كثيرة، إلا أن من الظاهر -والله أعلم- أن الرسول عليه الصلاة والسلام لم يكن يفعله هو وأصحابه على الدوام، ومن ذلك مثلاً: في صحيح البخاري وغيره، أن النبي صلى الله عليه وسلم {لما كسفت الشمس خرج فزعاً يجر إزاره يخشى أن تكون الساعة} يجر إزاره، قال أهل العلم: إنما جره صلى الله عليه وسلم لإزاره على سبيل العجلة لاستعجاله في خروجه عليه الصلاة والسلام، لكن فقه الحديث أن إزار النبي صلى الله عليه وسلم لو كان إلى نصف الساق، أو فوق ذلك -والله تعالى أعلم- لما كان ينجر من العجلة مهما استرخى؛ قد يسترخي فيكون إلى حول الكعبين، أو قريباً منهما، أما أن ينزل بحيث ينجر فهذا بعيد.

ومثل ما ورد في الصحيح: {أن أبا بكر قال: يا رسول الله! إن أحد شقي إزاري يسترخي إلا أن أتعاهده -وذلك لأن أبا بكر رضي الله عنه كان رجلاً نحيف الجسم ضعيفاً، فكان ثوبه يسترخي، فيتعاهده -يرفعه- ثم يسترخي- ويرفعه، ثم يسترخي، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إنك لست ممن يصنعه خيلاء} .

والذي يظهر لي أن أبا بكر رضي الله عنه لو كان إزاره إلى نصف الساق، أو إلى ما تحت الركبة بأربعة أصابع كما يذهب إليه البعض، لم يكن حين يسترخي ينزل إلى ما تحت الكعبين، والله تعالى أعلم.

فلا بأس أن يفعل الإنسان هذا حيناً، وهذا حيناً، أو يفعل هذا إن كانت المصلحة تقتضيه، ويفعل هذا إذا كانت المصلحة تقتضيه.

التعليقة الرابعة في هذا الموضوع: وهي للدعاة وطلاب العلم خاصة أقول: لا ينبغي أن نجعل مثل هذا الأمر المتفق على إباحته -أعني إنزال الثوب إلى ما فوق الكعبين- لا ينبغي أن نجعل مثل هذا الأمر هو الفيصل بيننا وبين الناس، فإذا وجد الشاب الداعية، أو طالب العلم، في مجتمع يرفض ذلك ويمقته، كما هو الحال في كثير من المجتمعات التي عمَّ الجهل فيها وطم وغلب، واختفت فيها سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، فينبغي أن يقبل الشاب على تعليم الناس العقيدة الصحيحة، وتحريرهم من التصوف ومن عبادة القبور، وتحريرهم من أكل الربا، وتربيتهم على إقامة الصلاة في الجماعة وعلى الصيام وعلى الحج وعلى أداء الزكاة وعلى غير ذلك من الواجبات الأساسية والفروض الكبيرة، ويجعل مثل هذه السنن مما يعلمهم إياها بين الحين والحين بطريقة لبقة، فإذا رأى أنهم ينفرون منها أجلها حتى تتروض نفوسهم وتعتاد مثل هذه الأشياء.

وعلى كل حال؛ فإن من الحكمة التي ورثناها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن نتدرج في دعوة الناس، ونبدأ بالأهم ثم المهم.

روى الشيخان عن ابن عباس رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قا

طور بواسطة نورين ميديا © 2015