طريقة التشاؤم والعزلة في تغيير المنكر

الطريقة الأولى: هي طريقة الهروب أو العزلة أو البعد عن أماكن المنكر بحجة أن الإنسان يخاف على نفسه، أو أنه مقصر، أو يموت قلبه، أو يضعف الإيمان، أو ما أشبه ذلك، وكثير ما تجدين بعض الأخوات إذا جلست إليها بدأت تقول: الله المستعان! وهذا زمان الغربة في الدين وحقت العزلة، والآن خير للمرء غنم يتبع بها شعث الجبال ومواقع القطر، يهرب بدينه من الفتن، التي هي كقطع الليل المظلم، وتبدأ بعض الفتيات تضرب على هذا الوتر، الناس فيهم وفيهم وتعدد المنكرات، وهنا هي وقعت في خطأ بل في أخطاء: الخطأ الأول: أنها أصبحت تنظر بعين واحدة، نظرة عوراء لماذا؟ لأن المجتمع فيه كما ذكرت قبل قليل خير وشر، فلماذا أنظر إلى الشر وأترك الخير؟ هذا خطأ كبير، ولذلك في صحيح مسلم يقول الرسول عليه السلام: {من قال هلك الناس فهو أهلكهم} يعني أكثرهم هلاكاً.

فالإنسان عندما يقول دائماً: الناس فعلوا والله المستعان، وفيهم وفيهم، فهذا في قلبه مرض، وهذا أمر رأيته بعيني من كثير الشباب الذين يدمنون الحديث عن المفاسد والمنكرات خاصة المفاسد الأخلاقية، فمنهم من يظل يقول: على شاطئ البحر يوجد كذا، وفي أجهزة الإعلام يوجد كذا، ويكثرون من هذا الموضوع، ويشتغلون بالتفصيل حتى حين يذهبون للمواقع الطيبة كالمساجد وأماكن العلم والتعليم والبيئات الطيبة والحرمين وغيرها، تجد أعينهم دائماً تلاحظ الظواهر السلبية، هؤلاء في قلوبهم مرض.

فعلى المسلم أن يمسك الميزان من الوسط، نعم، يوجد شر، ويوجد انحراف، حتى في أوساط الطيبين يقع؟ نعم، لكن نقول أيضاً: يوجد خير وصلاح، واستقامة وصحوة وإقبال، لا بد أن نمسك الميزان من الوسط ونعرف هذا وهذا، ونكون معتدلين في النظرة، وهذا الاعتدال في النظرة ضروري ليتصرف الإنسان التصرف المناسب.

الخطأ الثاني: الذي وقعت فيه هذه الطائفة أنهم بعدما تشاءموا وساءت نظرتهم إلى المجتمع، وبالغوا في تضخيم المنكرات؛ قرروا الهروب منها واعتزالها.

فتجدين -مثلاً- الأخت تترك التعليم، وتترك الدراسة في الجامعة، وتترك المواصلة في الدراسات العليا، وتترك المناصب الإدارية، وتترك التفتيش -مثلاً- وتترك المشاركة في الأعمال العامة، وتترك الاختلاط بالناس، وتترك المناسبات والأعراس والحفلات، وتترك الاتصال والذهاب والإياب بحجة وجود منكرات، وأنا لا أستطيع تغييرها -يا سبحان الله! -.

هل معنى ذلك أن نترك المجتمع لغيرنا من المنحرفين والضالين؟ لا هذا انحراف في مفهوم الورع؛ لأنه قد يكون واجباً فتعين عليك أنت أيتها الأخت أن تشاركي وتدخلي؛ حتى لو ترتب على ذلك بعض المفاسد، لكن المصلحة أكبر من أجل إزالة المنكر ونشر المعروف، وإلا الهروب منها سهل فعله، ولا توجد مشكلة، فالإنسان إذا رأى الوضع لا يعجبه انسحب وترك الحبل على الغارب، ترك الأمر للشيطان وأوليائه وجنوده، وهذا أهون حل، لكنه في الواقع لا يزيد الطين إلا بلة، ولا يزيد الداء إلا علة، إذاً هذا خطأ ثانٍ، والرسول عليه الصلاة والسلام ما أذن لنا بالعزلة وترك المجاملات هذه إلا في حالات؟

طور بواسطة نورين ميديا © 2015