ومن فوائد الحديث أيضاً: أنه لا ينبغي للإنسان خاصة طالب العلم، والمقبل على الله، والناسك، والداعية، أن يتشبع بما ليس فيه، وما لم يكن له فيه نية ولا قصد، وهذا يؤخذ من قول مالك بن الحويرث رضي الله عنه، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: {رأى أنا قد اشتقنا إلى أهلنا، فسألنا عمن تركنا، فقال: ارجعوا إلى أهلكم فعلموهم ومروهم، وصلوا} وكان يستطيع أن يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم علم حاجة أهلنا إلى العلم، والفقه، لغلبة الجهل عليهم وبعدهم، فأمرنا أن نعود إليهم ونعلمهم، ولكنه رضي الله عنه ذكر الحقيقة كاملة.
فكانت دواعي الحال أن يؤمروا بالرجوع إلى أهلهم، رفقاً بهم، وبأهلهم، وتعليماً -أيضاً- لأهلهم ونشراً للخير، ولكنه بدأ بذكر الأمر الأول، وهو أنه صلى الله عليه وسلم رأى حاجتهم واشتياقهم إلى أهليهم، ومع ذلك عندما كانت نياتهم صالحة، ومقاصدهم سيلمة، صادف ذلك خيراً كثيراً لهم في الدين، فرجعوا وعلموهم، ونشر الله علم مالك ليس في أهله فقط، بل في الأمة كلها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
فقل إنسان يدرس صفة الصلاة، إلا ويعرف حديث مالك بن الحويرث، وهذا كما قال الإمام أحمد في الحرص على طلب الحديث -فيما نقل عنه- في: هو حظ وافق حقاً، أي أن طلب الحديث فيه خير، وفيه بر، وفيه مصلحة، ولكنه حق أيضاً، فهو دين ودنيا، يطلب الإنسان الدين فتأته الدنيا تبعاً لذلك.