Q أنا شاب مبتلى بالعادة السرية، فما هو المخرج من هذا المرض؟
صلى الله عليه وسلم مسألة الشهوة في نفوس الشباب هي من أهم الأخطار التي تواجههم، وهي ابتلاء وضعها الله في نفس كل إنسان، فالله قادر على أن يجعل الإنسان ملكاً، والله عنده ملائكة في السماء، لا يوجد في السماء موضع إلا وفيه ملك ساجد أو قائم لله عز وجل، وهؤلاء الملائكة لا تجيش في نفوسهم الشهوات، قال تعالى: {لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:6] لكنه سبحانه لحكمته خلق الإنسان في هذه الدنيا، وكلفه بهذه المهمة وهي عبادته، وخلقه بصفة معينة، فيه خير وشر، وقابل للخير والشر، وللهدى والضلال قال تعالى: {إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً} [الإنسان:3] وقال: {وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ} [البلد:10] وقال: {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف:29] وهذا هو سر الابتلاء في هذه الحياة، ولو ذهب هذا الأمر لذهب معنى الابتلاء، فلو جبل الله الناس كلهم على أن يكونوا صالحين، ما كان هناك فرق بين الطيب والخبيث، والمهتدي والضال، فعلى الشاب أن يدرك أن هذا نوع من الابتلاء الذي ابتلاه الله تعالى به، وعليه أن يقاومه بالصورة الصحيحة أولاًَ، وأخيراً بالمجاهدة التي ذكرتها في نهاية الكلمة.
وكل ما يمكن أن يقال لك -أيها الشاب- هو: أنه ليس أمامك إلا المجاهدة، لكن يمكن أن توجد وسائل أو عوامل، تعينك على هذه المجاهدة.
فمثلاً: يمكن أن يقال للشاب المبتلى بمثل هذا الداء، أو بالشهوة بصفة عامة، أن على الشاب أن يتقي المواقع التي فيها إثارة للشهوة، مثل الخروج للأسواق والأماكن التي يكون فيها أشياء تثير، فيتقي تلك الوسائل، ويتقي سماع الغناء المحرم، ويتقي النظر إلى الصور المحرمة التي فيها الإثارة، وكل أمر يثير الشهوة يجب أن يتقيه، وهذا من شأنه أن يهدئ شهوة الإنسان، أما أن يؤجج الإنسان شهوته ويثيرها ولا يتقي هذه الأشياء، ثم يأتي ويقول: كيف أخرج؟! وأنقذوني! فهذا لا يكون، والأمر في هذا كما قيل: ألقاه في اليم مكتوفاً وقال له إياك إياك أن تبتل بالماء فأول خطوة في العلاج هي الوقاية، وأن يكون لهذا الشاب قوة في الإرادة، بحيث يحجز نفسه عن كل وسيلة تثير غريزته وشهوته، فهذه وسيلة.
والوسيلة الثانية: هي أن يحرص الشاب على أن يشغل نفسه بأمور حميدة، أو مباحة على أقل تقدير، فيشغل نفسه بالطاعات، وبمجالسة الطيبين، وبالرياضة المباحة، وبالاشتغال بالأنشطة: كالمراكز، والنشاطات المدرسية، وسواها، بحيث يصرف هذه الطاقة المركوزة فيه في مصرفها الصحيح.
ثم على الشاب أن يحرص على كثرة الدعاء، لأن الله عز وجل لما ذكر مقولة الشيطان ذكر أنه قال: {لَآتِيَنَّهُمْ مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ وَعَنْ أَيْمَانِهِمْ وَعَنْ شَمَائِلِهِمْ وَلا تَجِدُ أَكْثَرَهُمْ شَاكِرِينَ} [الأعراف:17] وما ذكر أنه سيأتي من فوقهم، لأنه علم أن الله فوقهم، فباب الله مفتوح لمن طرقه بجد وصدق وإلحاح، فعلى الشاب الذي يعاني من هذا أن ينطرح بين يدي الله بصدق، ويكثر من الدعاء، والرجاء، والله لا يخيب من دعاه.
وأخيراً فإن على الشاب أن يحرص على استعمال العلاجات الشرعية التي منها: أولاً: الزواج كما في الحديث: {يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج} ولماذا يضع كثير من الشباب عقبات طويلة عريضة أمام الزواج! عقبات مالية، وعقبات في البيت، وعقبات في المرأة، وعقبات في إكمال الدراسة، والسن وغيره، فيجب أن نعمل على تذليل مثل هذه العقبات أو ما أمكن منها أو غيرها، فإذا كان الزواج متعذراً فالبديل: {فمن لم يستطع فعليه بالصوم} فيكثر الشاب من الصيام، لما في الصيام من تضييق مجاري الدم وهي العروق التي يجري فيها الشيطان من ابن آدم، فيقل بذلك وسوسة الشيطان، وتأثيره على الإنسان، وأنصح هذا الشاب وغيره بأنه إذا وقع في المعصية فعليه أن يسارع في التوبة، وأقول: التوبة، لأنني علمت من الشباب أن هذا الأمر من الأمور التي لا يتوبون منها، لماذا؟ لأن الواحد منهم يقول: تبت ثم وقعت مرة ثانية، ثم تبت، ثم وقعت، فصرت لا أتوب، لأنني أقول: لا فائدة أن أتوب، أنا أعرف أني سأقع! أقول: لا.
بل يجب أن يتوب، والتوبة واجبة من كل ذنب، قال تعالى: {وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [النور:31] وأنتم تعرفون قصة الإسرائيلي التي رواها مسلم في صحيحه: {ذكر النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً أذنب ثم استغفر قال: ربِّ! أذنبت فاغفر لي فغفر الله له، ثم أذنب مرة أخرى، فاستغفر، قال: ربِّ! إني أذنبت فاغفر لي، فغفر له، ثم أذنب ثالثة، فاستغفر، قال: ربِّ! إني أذنبت فاغفر لي، فغفر الله له وقال: عبدي علم أن له رباً يغفر الذنب ويأخذ بالذنب، افعل ما شئت فقد غفرت لك} فهذا دليل على أن الإنسان ولو تكرر منه الذنب يحب أن يتوب.
وحين تتوب لا تتوب وفي نيتك أن ترجع، بل تب وأنت في نيتك أن تبذل جهدك ألا ترجع، وقد لا تمكن أصلاً من فعل هذا الذنب بحيث تنتهي أيامك في هذه الدنيا، قبل أن تفعل هذا الذنب، فتكون مت على توبة، فينبغي ألا يخدعك الشيطان بترك التوبة.
ونصيحة أخرى -أيضاً- مهمة في هذا المجال، وهو أنه ينبغي لك ألا تقبل وسوسة الشيطان التي تقول لك: أنت الآن رجل مدنس ملوث، وعندك هذه القاذورات، وأنت تجلس بين قوم صالحين، ويظنون بك الظنون الحسنة، فخير لك أن تتجنبهم، وتظهر على حقيقتك! والشيطان يقول لك هذا الوسواس حتى ينفرد بك، ثم يذهب بك كل مذهب، بل اجلس مع الناس الطيبين والصالحين، وجالسهم، واعمل ما تستطيع من النشاطات، وشارك في الأعمال الخيرة، وإلقاء الكلمات -مثلاً- وفي أي عمل، واحرص على أن تتجاوز هذا الأمر، وألا يؤثر ذلك في حياتك الدعوية، ولا مانع إذا كان هذا الأمر وصل بك إلى حد مرضي أن تعرض حالتك على طبيب مختص، فقد يفيدك في هذا المجال.