الأمر الخامس: أنه حتى وإن لم يختم له بخاتمة السوء فإننا لا ندري ماذا يكون مصيره عند الله، فقد روى الإمام البخاري في صحيحه عن امرأة من الأنصار اسمها أم العلاء الأنصارية، أن المهاجرين لما جاءوا إلى المدينة وزعهم النبي صلى الله عليه وسلم بين الأنصار في المدينة، فوضع عند كل أهل بيت من الأنصار رجلاً من المهاجرين ينضم إليهم في السكن والمعيشة، وغير ذلك -من باب المواساة بين المسلمين- قالت: فطار لنا سهم عثمان بن مظعون، أي: كان نصيبها ونصيب قومها من المهاجرين رجل اسمه عثمان بن مظعون -رضي الله عنه وأرضاه- قالت: فكان رجلاً زاهداً، عابداً، صائماً، قائماً، مصلياً، فمرض فمرضناه، ثم مات -رضي الله عنه وأرضاه- وكان النبي صلى الله عليه وسلم عنده حال موته، -فقلت- تقول هذه المرأة، قلت بعد موته، وقد بكت وحزنت لموته لما رأت عليه من علامات الطاعة والخير، فقالت: هنيئاً لك الجنة، أما والله إني أشهد لقد أكرمك الله، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يسمع هذا الكلام فقال لها: أو غير ذلك يا أم العلاء، إني وأنا رسول الله، والله لا أدري ما يفعل بي ولا بكم، وانظروا مصداق قوله صلى الله عليه وسلم هذا في قوله تعالى: {قُلْ مَا كُنْتُ بِدْعاً مِنَ الرُّسُلِ وَمَا أَدْرِي مَا يُفْعَلُ بِي وَلا بِكُمْ} [الأحقاف:9] فتأثرت هذه المرأة وحزنت وقالت: والله لا أزكي بعده أحداً أبداً، ثم نامت يوماً من الأيام وهي حزينة، فرأت عثمان بن مظعون -رضي الله عنه وأرضاه- في المنام في هيئة حسنة، ورأت له عيناً تجري، فلما استيقظت ذهبت إلى النبي صلى الله عليه وسلم وأخبرته بذلك، فقال صلى الله عليه وسلم: {ذلك عمله} فأشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى البشارة لهذا العبد الصالح بالخير بالرؤية التي رأتها، وللعمل الصالح الذي قدمه، وظل يجري عليه بعد موته، ولكن لم يرض أن يشهد له، ولذلك كان من أصول أهل السنة والجماعة ألا يشهدوا لأحد من أهل القبلة بجنة ولا نار، وإنما يرجون لمن مات على الخير والإحسان الرحمة والثواب، ويخافون على من مات على الشر والفسوق والإثم العقاب، أما أن يشهد لأحد بالجنة أو النار خلا من شهد له النبي صلى الله عليه وسلم فلا.