بيان افتقار المخلوق وضعفه

دعونا نسير مع الإنسان مرحلة مرحلة، وخطوة خطوة في مراحل حياته، ننظر إلى أنفسنا ونتأمل كل واحد منا، بل كل واحد من الخلق، حتى الأنبياء والرسل الكرام عليهم الصلاة والسلام، كان الواحد منا يوماً من الأيام جنيناً في بطن أمه مفتقراً إلى كل شيء، إلى الطعام، وإلى الشراب الذي يأتيه عن طريق الأم، وإلى الهواء، إلى كل شيء، ثم يولد ضعيفاً صغيراً مفتقراً إذا هبت عليه الريح أزعجته، ومعرض للموت والفناء لأدنى سبب من الأسباب، ويظل غير قادر على أن يعيش بنفسه، ولا أن يشرب بنفسه، ولا أن يأكل بنفسه، ولا أن يقعد وهكذا.

وسبحان الله! يبدأ الإنسان يتدرج شيئاً فشيئاً، خطوات بعضها يتلو بعض، ثم يكبر، ويوماً بعد يوم حتى يصبح قادراً على القعود، ثم قادراً على الحبو، ثم على الوقوف، ثم على المشي، وما يزال يترعرع ويكبر، والذين من حوله يلاحظون تطوره شيئاً فشيئاً، ويستبشرون ويفرحون بكل مرحلة جديدة ينتقل إليها، حتى يكبر الإنسان ويبلغ مبلغ الشباب، -فيا سبحان الله! - حينئذٍ تجد هذا الإنسان قد نسي المراحل التي مر بها، وشعر بنوع من الاستغناء والكمال، وغفل عن الطفولة التي كانت مرحلة من مراحل الضعف التي مر بها، يشعر بكمال واستغناء، بل ربما يصل به الحال إلى الشعور بالكبرياء والغطرسة، ولو التفت الإنسان التفاتة سريعة إلى الوراء، وتذكر أنه كان في المهد يوماً من الأيام، وأنه كان بحالة معروفة من العجز في صغره، والحاجة الكاملة إلى غيره؛ لأدرك أنه لا يليق به وبمثله أن يتكبر، ويتغطرس، ويستعلي، بل يدرك أنه مخلوق ضعيف ومحتاج ومفتقر إلى غيره.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015